|

24 جمادى الآخر 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

الْخُطْبَةُ الأُولَى

عِبَادَ اللهِ، حَدِيثُنَا الْيَوْمِ عَنْ مُكَفِّرَةٍ مِنْ مُكَفِّرَاتِ الذُّنُوبِ، اِخْتَصَمَ فِيهَا الْـمَلأُ الأَعْلَى؛ حَيْثُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (رَأَيْتُ رَبِّي، تَبَارَكَ وَتَعَالَى، فِي أَحْسَنِ صُورَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، قُلْتُ: لَبَّيْكَ رَبِّ، قَالَ: فِيمَ يَخْتَصِمُ المَلَأُ الأَعْلَى؟ قُلْتُ: فِي الكَفَّارَاتِ، قَالَ: مَا هُنَّ؟ قُلْتُ: مَشْيُ الأَقْدَامِ إِلَى الجَمَاعَاتِ، وَالجُلُوسُ فِي المَسَاجِدِ بَعْدَ الصَّلَوَاتِ، وَإِسْبَاغُ الوُضُوءِ فِي المَكْرُوهَاتِ)، رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. وَفِي هَذِهِ الْخُطْبَةِ سَوْفَ نَتَحَدَّثُ عَنِ إِحْدَى الْمُكَفِّرَاتِ الَّتِي تُكَفِّرُ الذُّنُوبَ وَالْخَطَايَا؛ أَلَا وَهِيَ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عِنْدَ المَكْرُوهَاتِ، وَإِتْمَامُهُ وَإِبْلَاغُهُ مَوَاضَعَهُ الشَّرْعِيَّةَ. وَالْمُرَادُ بِكَوْنِ إِسْبَاغِهِ عَلَى المَكْرُوهَاتِ يَحْمِلُ مَعَانٍ مُتَعَدِّدَةً، مِنْهَا : حِينَمَا تَكُونُ الأَجْوَاءُ بَارِدَةً، وَالْمَاءُ بَارِدًا، وَحِينَـمَا تَكُونُ الْمِيَاهُ حَارَّةً، فِي الْأَجْوَاءِ الْحَارَّةِ، وَكَذَلِكَ فِي حَالِ الِاسْتِيقَاظِ، وَالنَّفْسُ كَسُولَةٌ، وَفِي كُلِّ حَالٍ تَكْرَهُ فِيهَا النَّفْسُ الْوضُوءَ، كَحَالِ نُزُولِ الْمَصَائِبِ، قَالَ تَعَالَى:(وَاسْتَعِينُواْ بِالصَّبْرِ وَالصَّلاَةِ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ)،وَجَـمِيعُ مَا سَبَقَ يَصْدُقُ عَلَيْهِ الْـحَدِيثُ؛ وَإِنْ كَانَ الأَقْرَبُ إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ فِي شِدَّةِ الْبَرْدِ؛ لأَنَّهُ يَشُقُّ عَلَى النَّفْسِ وَتَتَأَلَّمُ بِهِ، وكُلُّ مَا يُؤْلِمُ النَّفْسَ وَيَشُقُّ عَلَيْهَا مِنَ الْعِبَادَاتِ؛ فَإِنَّهُ كَفَّارَةٌ للذُّنُوبِ، وَشَهِدَ لِذَلِكَ قَوْلُ النَّبِـيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،:(إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى السَّبُرَاتِ)، رِوَاهُ الطَّبَرَانِيِّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَالسَّبُرَةُ هِيَ شِدَّةُ الْبَرْدِ.  وَقَدْ تَكَاثَرَتِ النُّصُوصُ عَلَى أَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ يُكَفِّرُ الْخَطَايَا؛ وَمِنْ ذَلِكَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ عَنْ عُثْمَانَ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، أَنَّهُ تَوَضَّأَ ثُمَّ قَالَ: " رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، تَوَضَّأَ مِثْلَ وُضُوئِي هَذَا، ثُمَّ قَالَ: «مَنْ تَوَضَّأَ هَكَذَا، غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ، وَكَانَتْ صَلَاتُهُ وَمَشْيُهُ إِلَى الْمَسْجِدِ نَافِلَةً». وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ؛ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ مِنْ جَسَدِهِ، حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ»، رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: «إِذَا تَوَضَّأَ الْعَبْدُ الْمُسْلِمُ - أَوِ الْمُؤْمِنُ - فَغَسَلَ وَجْهَهُ، خَرَجَ مِنْ وَجْهِهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ نَظَرَ إِلَيْهَا بِعَيْنَيْهِ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ يَدَيْهِ، خَرَجَ مِنْ يَدَيْهِ كُلُّ خَطِيئَةٍ كَانَ بَطَشَتْهَا يَدَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ -، فَإِذَا غَسَلَ رِجْلَيْهِ؛ خَرَجَتْ كُلُّ خَطِيئَةٍ مَشَتْهَا رِجْلَاهُ مَعَ الْمَاءِ - أَوْ مَعَ آخِرِ قَطْرِ الْمَاءِ - حَتَّى يَخْرُجَ نَقِيًّا مِنَ الذُّنُوبِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

عِبَادَ اللهِ، كَذَلِكَ وَرَدَتِ الأَحَادِيثُ بِحُصُولِ الثَّوَابِ عَلَى الْوُضُوءِ، زِيَادَةً عَلَى تَكْفِيرِ السَّيِّئَات قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ يَتَوَضَّأُ فَيُبْلِغُ - أَوْ فَيُسْبِغُ - الْوَضُوءَ ثُمَّ يَقُولُ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُ اللهِ وَرَسُولُهُ؛ إِلَّا فُتِحَتْ لَهُ أَبْوَابُ الْجَنَّةِ الثَّمَانِيَةُ، يَدْخُلُ مِنْ أَيِّهَا شَاءَ). رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «تَبْلُغُ الْحِلْيَةُ مِنَ الْمُؤْمِنِ، حَيْثُ يَبْلُغُ الْوَضُوءُ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أُمَّتِي يُدْعَوْنَ يَوْمَ القِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنْ آثَارِ الوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكُمْ أَنْ يُطِيلَ غُرَّتَهُ فَلْيَفْعَلْ»، أَخْرَجَهُ الْبُخَاِريُّ. بَلْ وَجَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ إِسْبَاغَ الْوُضُوءِ شَطْرُ الإِيمَانِ؛ لِمَا رَوَاهُ النَّسَائِيُّ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَعِنْدَ مُسْلِمٍ:"الطَّهُورُ شَطْرُ الإِيمَانِ". وَلَعَلَّ الْـمَقْصُودَ بِشَطْرِ الْإِيـمَانِ؛ أَي: شَطْرُ الصَّلَاةِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ الْعَلِيَّ العَظِيمَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ.

 

الخطبة الثانية

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ مَعْرِفَةَ ثَوَابِ الأَعْمَالِ يُيَسِّرُهَا، وَكَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ:" مَنْ لَمْ يَعْرِفْ ثَوَابَ الأَعْمَالِ، ثَقُلَتْ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ الأَحْوَالِ". وَعَلَى الْمُسْلِمِ عِنْدَ الْعِبَادَاتِ؛ اِسْتِحْضَارُ اِطِّلَاعِ اللهِ، عَزَّ وَجَلَّ، عَلَيْهِ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ؛ فَيُحْسِنُ الْوُضُوءَ، وَيَتَحَمَّلُ الْمَشَاقَّ وَيُكْرِهُ النَّفْسَ، عَلَى الطَّاعَةِ، قَالَ تَعَالَى: (فَاعْبُدْهُ وَاصْطَبِرْ لِعِبَادَتِهِ هَلْ تَعْلَمُ لَهُ سَمِيًّا) . وَمِنَ الأُمُورِ الْمُعِينَةِ عَلَى إِسْبَاغِ الْوُضُوءِ؛ مَعْرِفَةُ أَنَّ اللهُ، جَلَّ وَعَلَا، يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ؛ فَلْـيَـحْرِصِ الْـمُؤْمِنُ عَلَى الطَّهَارَةِ الْكَامِلَةِ؛ فَـيُزِيلُ الْأَوْسَاخَ بِالْـحِجَارَةِ أَوِ الْـمَنَادِيلِ الْوَرَقِيَّةِ، ثُـمَّ يَنْضَحُـهَا بِالْـمَاءِ، قَالَ تَعَالَى : (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ). فَمَنِ اِمْتَلَأَ قَلْبُهُ مِنْ مَحَبَّةِ اللهِ؛ أَحَبَّ مَا يُحِبُّهُ - وَإِنْ شَقَّ عَلَى النَّفْسِ، وَتَأَلَّمَتْ بِهِ.

أَلَا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبَيِّكُمْ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَسَلَّمَ.