|

13 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الْـخُطْبَةُ الأُولَى

إنَّ الحمدَ للهِ، نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ، وَخَلِيلُهُ - صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛ وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ.

• رَوَى مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ، أَنَّ امْرَأَةً كَانَ فِي عَقْلِهَا شَيْءٌ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً، فَقَال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «يَا أُمَّ فُلَانٍ انْظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئْتِ، حَتَّى أَقْضِيَ لَكِ حَاجَتَكِ». فَانظُرْ إِلَى مَنْهَجِ الْقُدْوَةِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، كَيْفَ تَعَامَلَ مَعَهَا بِرحْـمَتِهِ الْمَعْرُوفَةِ، فَلَمْ يُعْرِضْ عَنْهَا بِسَبَبِ نَقْصِ عَقْلِهَا، وَلَـمْ يَغْضَبْ مِنْهَا، وَلَا مِنْ وَلِيِّهَا، الَّذِي لَـمْ يَـمْنَعْهَا مِنَ الْـخُرُوجِ لِمُقَابَلَةِ الرَّسُولِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، بَلْ وَخَاطَبَهَا بِطَيِّبِ الْقَوْلِ، بِقَوْلِهِ لَـهَا: (يَا أُمَّ فُلَانٍ)، وَاسْتَجَابَ – بِأبِي هُوَ وَأُمِّي - لِطَلَبِهَا، بَلْ وَجَعَلَ لَـهَا حُرِّيَّةِ اِخْتِيَارِ الزَّمَانِ والْمَكَانِ لِلْقَائِهِ، وَوَقَفَ مَعَهَا بِـجَانِبِ الطَّرِيقِ، وَتَلَطَّفَ مَعَهَا بِالْكَلَامِ، وَاسْتَـمَعَ لِشَكْوَاهَا؛ ثُـمَّ حَقَّقَ لَـهَا طَلَبَهَا.

•   وَحِينَمَا أُقَارِنُ تَعَامُلَ النَّبِيِّ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيه وَسَلَّمَ ، مَعَ مَنْ بِعَقْلِهِ نَقْصٌ، بِتَعَامُلِ السَّاخِرِينَ مَعَهُمْ؛ أَجِدُّ الْبَوْنَ شَاسِعًا ، وَالْمَسَافَةَ بَعيدَةً . فَهُنَاكَ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ يَبْنُونَ سَعَادَتَهُمْ عَلَى حسابِ السّخرِيَةِ بِغَيْـرِهِمْ ؛ فَيَدْعُونَ خَاصَّتَهُمْ لِلْحُضورِ إِلَى مَجْلِسٍ يَكُونُ فِيه رَجِلٌ قَدْ عُرِفَ بِنَوْعٍ مِنَ الضِّعْفِ الْعقلِيِّ، وَالْمَعْرُوفِ عِنْدَ الْعَامَّةِ ( بالصح )، وَإِنَّ شِئْتَ فَقُلِ الْبَراءَةَ؛ فَيَلْتَفُّ حَوْلَهُ ضُيُوفُهُمْ وأولادُهُمْ ، صغارُهُمْ وَكبارُهُمْ ، لِيَضْحَكُوا مِنْهُ، وَيُعْلِّقُوا عَلَيهِ، وَيَطْلُبُوا مِنْهُ أَقْوَالًا ، وَأفْعَالًا ، وَتَصَرُّفَاتٍ تُضْحِكُهُمْ، لَكِنَّهَا تُسْخِطُ رَبَّـهُمْ ، قَالَ الْعَالِـمُ بأفْعَالِـهِمُ

سُبْحَانَهُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ).

• وقَدْ يُعْطُونَهُ فِي نِـهَايَةِ سَخَفِهِمُ الْـمَذْمُومِ، غـيْـرِ الْمحمُودِ-بَعْضًا مِنَ الْمَالِ ثَـمَنًا لِسُخْرِيَتِهِمْ بِهِ، بَلْ وَالأَشَدُّ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ بَعْضَهُمْ يَـحْتَسِبُهَا صَدَقَةً، يَتَقَرَّبُ بِـهَا إِلَى اللهِ، (وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا)؛ أَنَسُوا أَمْ تَنَاسُوا قَوْلَ الْـحَقِّ جَلَّ فِي عُلَاهُ: (قَوْلٌ مَعْرُوفٌ وَمَغْفِرَةٌ خَيْرٌ مِنْ صَدَقَةٍ يَتْبَعُهَا أَذًى وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)؟ بَلْ وَبَعْضُهُمْ قَدْ يَـحْتَسِبُ مَا يَدْفَعُهُ لَـهُمْ ثَـمَـنًا لِسُخْرِيَتِهِ مِنْهُمْ مِنْ زَكَاتِهِ؛ فَجَعَلَهَا مُقَابِلَ السُّخْرِيَةِ بِـهِمْ، فَيَدْفَعُ زَكَاتَهُ لِـمَصْلَحِةٍ دُنْيَوِيَّةٍ تَحَقَّقَتْ لَهُ؛ فَرَجَا بِدِفْعِ زَكَاتِهِ الدُّنْيَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى مُـحَذِّرًا مِنْ ذَلِكَ: (مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ * أُولَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

• عِبَادَ اللَّهِ، هَلْ قَدَّمُ هَؤُلَاءِ السَّاخِرُونَ هَذِهِ الصَّدَقَةَ أَوِ الزَّكاةَ إِلَى مَنْ يُسْخَرُونَ بِهِ قُرْبَةَ اللهِ، أَمْ مُقَابِلَ اللَّعِبِ بِـمَشَاعِرِهِ، وَاِسْتِغْلاَلِ فَاقَتِهِ وَحاجَتِهِ، وَضِعْفِ عَقْلِهِ، وَفَهْمِهِ؛ لإِذْلَالِهِ وَسُخْرِيَتِهِمْ بِهِ ؟! وَالَّتِي قَدْ تَكُونُ أَحْزَنَتْ قَلْبَهُ، وَإِنْ تَصَنَّعَ الْفَرَحَ عَلَى مُحَيَّاهُ ، وَكَتَمَ فِي فُؤَادِهِ الْمَكْلُومِ حُزْنَهُ وَغَمَّهُ بِسَبَبِ إيذائِهِمْ لَهُ، وَلَعَلَّهُ إِذَا خَلَا بِرَبِّهِ دَعَا عَلَيْهِمْ ؛ وَدَعْوَةُ الْمَظْلُومِ مُسْتَجَابَةٌ، وَلِذَا تـَجِدُ فِئَةً لَيْسَتْ بِالْقَلِيلَةِ مِـمَّنْ أَنْعَمَ اللهُ عَلَيْهِمْ بِـالْمَالِ، يَشْعُرُونَ بِـهُمُومٍ وَغُمُومٍ لَا يَعَرِّفُونَ لَهَا سَبَبًا ؛ فَلَعَلَّ هَذِهِ مِنْ أَسَبَابـِهَا إِنْ كَانُوا مِنْ أَرْبَابـِهَا، وَمَا يَفْعَلُونَهُ يُعَدُّ ظُلْمًا بَيِّنًا؛ فَاسْتَعِيذُوا –عِبَادَ اللَّهِ  مِنَ الظُّلْمِ؛ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ مِنْ أَنْ نَزِلَّ، أَوْ نَضِلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَجْهَلَ، أَوْ يُجْهَلَ عَلَيْنَا) رَوَاهُ التِّـرْمِذِيَّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. 

• واستعيذوا بِاللهِ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ؛ حَتَّـى لَا تَكُونُوا ضَحَايَا لِـهَؤُلَاءِ الظَّلَمَةِ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ فِي دُعَائِهِ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْعِيلَةَ وَالذِّلَّةَ وَالْمَسْكَنَةَ) رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

• وَالْمُسْلِمُ الَّذِي يَـخْشَى اللهَ حَقًّا؛ لَا يَـجْعَلُ سَعَادَتَهُ عَلَى حِسَابِ مَشَاعِرِ غَيْـرِهِ، لَا عَلَى الَّذِينَ فِي عُقُولِـهِمْ شَيْءٌ، وَلَا عَلَى غَيْـرِهِمْ، وَخَيْـرُ الْـهَدِيِ؛ هَدْيُ مَـحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ.

• عِبَادَ اللهِ، إِنَّ السُّخْرِيَةَ بِالْمُسْلِمِ حَرَامٌ بِالإِجْـمَاعِ، وَيَأْثَـمُ فَاعِلُهَا، فَكَيْفَ بِالسُّخْرِيَةِ بِسَبَبِ نَقْصِ الْعَقْلِ، الَّذِي لَيْسَ لِصَاحِبِهِ دَوْرٌ فِيهِ؟ لَا شَكَّ أَنَّهُ أَشَدُّ حُرْمَةً؛ وَيَلْحَقُ الإِثْـمُ كُلَّ مَنْ حَضَرَ وَرَضِيَ، وَلَـمْ يُنْكِرْ مَعَ قُدْرَتِهِ عَلَى الإِنْكَارِ، أَمَا عَلِمَ هؤُلَاءِ أَنَّ مَا يَفْعَلُونَهُ مِنْ سُخْرِيَةٍ مَعْصِيَةٌ لَا يَرْضَاهَا خَالِقُ الأَنَامِ؟ وَقَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (بِحَسْبِ امْرِئٍ مِنَ الشَّرِّ أَنْ يَحْقِرَ أَخَاهُ الْمُسْلِمَ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. فَلَعَلَّ هَذَا الْمِسْكِيـنَ، الَّذِي يُرَفِّهُونَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ بِهِ، هُوَ عِنْدَ اللهِ خَيْـرٌ مِنْهُمْ.

• عِبَادَ اللهِ، إِنَّ هَؤُلَاءِ الضُّعَفَاءَ يَـجِبُ أَنْ يُعَامَلُوا بِالُّلطْفِ والإِحْسَانِ؛ فَلَعَلَّ النَّصْرَ يَأْتِي للأُمَّةِ وَالأَفْرَادِ مِنْ طَرِيقِهِمِ، قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «هَلْ تُنْصَرُونَ وَتُرْزَقُونَ إِلَّا بِضُعَفَائِكُمْ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

• وَتَذَكَّرْ- يَا مَنْ تَفْعَلْ ذَلِكَ- أَنَّكَ مَوْقُوفٌ بَيْـنَ يَدِيِّ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَسَيَسْأَلُكَ: لِمَاذَا أَهَنْتَ عَبْدِي هَذَا، وَأَذْلَلْتَهُ، وَاستَغَلَّيْتَ حَاجَتَهُ وَمَرَضَهُ؛ فَسَخِرْتَ بِهِ؟ قَالَ تَعَالَى : (وَقِفُوهُمْ ۖ إِنَّهُم مَّسْئُولُونَ)، وَتَذَكَّرْ قَوْلَهُ تَعَالَى: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ)

• وَتَذَكَّرْ أَيُّهَا السَّاخِرُ بِغَيْـرِكَ أَنَّكَ قَدْ تَكُونُ الْيَوْمَ السَّاخِرَ بِالضَّعِيفِ، وَغَدًا أَنْتَ، أَوِ اِبْنُكَ، أَوْ أَحَدٌ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ ؛ مَوْضِعُ السُّخْرِيَةِ، مِنْهُ وَذُرِّيَّتِهِ، أَوْ مِنْ غَيْـرِهِ ، قَالَ تَعَالَى: (وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ). فَمَنْ تُذِلُّهُ الْيَوْمَ قَدْ يُذِلُّكَ غَدًا، وَنِعْمَةُ اللهِ الَّتِـي أَسْبَغَهَا عَلَيْكَ الْيَوْمَ؛ قَدْ يُـحَوِّلُـهَا عَنْكَ غَدًا؛ فَنَعُوذُ باللهِ مِنْ تَـحَوِّلِ عَافِيَتِهِ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِهِ، وَجِـمِيعِ سَخَطِهِ.

• وَاسأَلْ نَفْسَكَ أَيَّهَا السَّاخِرُ سُؤَالًا: هَلْ تَرْضَى أَنْ يُصْنَعَ بِكَ، أَوْ بِوَلَدِكَ مَا تَصْنَعُهُ أَنْتَ بِهِ؟! بِالطَّبْعِ سَتَقُولَ: لَا؛ فَحِبَّ لَـهُمْ إِذًا مَا تُـحِبُّ لِنَفْسِكَ؛ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لاَ يُؤْمِنُ أَحَدُكُمْ، حَتَّى يُحِبَّ لِأَخِيهِ مَا يُحِبُّ لِنَفْسِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ. فَطَالَـمَا أَنَّكَ لَا تُـحِبُّ لِنَفْسِكَ وَلَا لِوَلَدِكَ أَنْ يُسْخَرَ بِكُمَا؛ فَلِمَاذَا تَرْضَاهَا لِغَيْـرِكَ؟! وَهَلْ سَأَلْتَ نَفْسَكَ: هَلْ مَـجْلِسُ السُّخْرِيَةِ هَذَا سَيَكُونُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شَاهِدًا لَكَ أَمْ عَلَيْكَ؟ فَاخْتَـرْ مَا تُرِيدُهُ لِنَفْسِكَ، قَالَ تَعَالَى: (فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (8) قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (9) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا).

• عبادَ اللهِ، إنَّ المؤمنَ مَهْمَا كَانَ مُستوَاهُ العلْمِيُّ، والفِكْرِيُّ، والاجتِمَاعِيُّ؛ عَزِيزٌ، وَيَنْبَغِي أَنْ يَظَلَّ عَزِيزًا؛ سوَاءَ أَكَانَ: غَنِيًّا أَمْ فَقِيـرًا، شَرِيفًا أَمْ وَضِيعًا، عَرَبِيًّا أَمْ أَعْجَمِيًّا، فِي عَقْلِهِ نَقْصٌ أَمْ عَقْلُهُ سَلِيمٌ. قَالَ تَعَالَى: (وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ)؛ فَعَجَبًا واللهِ، مِـمَّنْ أَذَلُّوا وَأَهَانُوا مَنْ كَرَّمَهُمُ اللهُ، وَفَضَّلَهُمْ، وَأَعَزَّهُمْ؛ فَعَلَيْنَا أَنْ نُرَاجِعَ أَنْفُسَنَا إِذَا كُنَّا نَصْنَعُ هَذَا، وَلَا تَأْخُذُنَا الْعِزَّةُ بالإِثْـِم، وَنَصْطَنِعُ الْـحُجُجَ والْمُبَـرِّرَاتِ لإِجَازَةِ هَذَا الصَّنِيعِ الْمُحَرَّمِ اِفْتِرَاءً عَلَى اللهِ، قَالَ تَعَالَى: (وَلَا تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلَالٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ).

• عِبَادَ اللَّهِ، هُنَاكَ فِئَةٌ مِنَ النَّاسِ، مَهْمَا نَصَحْتَهُمْ، وَبَيَّنَتْ لَهُمْ أَدِلَّةَ التَّحْرِيـمِ؛ لَا يَنْتَصِحُونَ؛ لأَنَّهُمْ يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ؛ فَلَا خَوْفٌ مِنَ اللهِ يَزْجُرُهُمْ، وَلَا مِنْ سُوءِ عَاقِبَةٍ تَكُونُ مَصِيـرَهُمْ، وَلَا خَوْفٌ مِنْ تَبَدُّلِ الأَدْوَارِ يَكُونُ مَآلَـهَمْ.

• عِبَادَ اللهِ، إِنَّ الْمُؤْمِنَ التَّقِيَّ النَّقِيَّ إِذَا ذُكِّرَ بِاللِه ذَكَرَ، وَإِذَا زُجِرَ اِنْزَجَرَ، وَلَا أَشُكُّ لَـحْظَةً بِأَنَّ مَنْ فِي قَلْبِهِ خَشْيَةٌ للهِ سَيُقْلِعُ عَنْ هَذِهِ الأَشْيَاءِ، إِذَا كَانَ يَصْنَعُهَا، مَتّـى مَا عَرَفَ الْـحُكْمَ، وَبَانَ لَهُ الْـحَقُّ، وَقَدْ أَثْنَـى اللهُ عَلَى هَؤُلَاءِ الرَّجَّاعِيـنَ؛ فَقَالَ تَعَالَى: (إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُوا فَإِذَا هُمْ مُبْصِرُونَ). 

• فَاسْتَعِيذُوا –عِبَادَ اللهِ- مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْعَجْزِ وَالْكَسَلِ، وَالْجُبْنِ وَالْبُخْلِ، وَالْهَرَمِ وَالْقَسْوَةِ، وَالْغَفْلَةِ، وَالْعِيلَةَ وَالذِّلَّةَ وَالْمَسْكَنَةَ) رَوَاهُ الْـحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ.

• أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ، وَلِـجَمِيعِ الْمُسْلِمِـيـنَ فَاِسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.   

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ، تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً .

• عِبَادَ اللهِ، كَذَلِكَ يَنْبَغِي الْـحَذَرُ مِـمَّا تَبُثُّهُ بَعْضُ الْقَنَوَاتِ، مِنْ خِلَالِ إِجْرَاءِ أَحَدِ مُذِيعِيهَا لِقَاءَاتٍ، مَعَ فِئَةٍ مِنَ النَّاسِ غَالِبَيَّتُهُمْ مِنَ الْبُسَطَاءِ، أَوِ الْمُغَفَّلِيـنَ، أَوِ الْمُحْتَاجِيـنَ.

• فَيَتَعَمَّدُونَ تَسْرِيبَ مَعْلُومَاتٍ كَاذِبَةٍ لَـهُمْ؛ ثُـمَّ يَسْأَلُونَـهُمْ عَنْ مَدَى مَعْرِفَتِهِمْ بِـهَا، مَعَ أَنَّـهَا مَعْلُومَاتٌ لَا أَسَاسَ لَـهَا مِنَ الصِّحَّةِ؛ لِيُغَرِّرَ بِـهِمْ؛ فَيَدَّعِي هَؤُلَاءِ الضُّيُوفُ مَعْرِفَتَهَمُ بِـهَا، وَهِيَ مَعْلُومَاتٌ وَهْـمِيَّةٌ غَيـرُ حَقِيقِيَّةٍ. أَوْ يُوجِّهُ لَـهُمُ الْمُذِيعُ أَسْئِلَةً، وَيُعْطِيهِمْ عَلَيْهَا خِيَارَاتٍ لَا عَلَاقَةَ لَـهَا بِالإِجَابَةِ الصَّحِيحَةِ؛ مِنْ أَجْلِ إِحْرَاجِهِمْ، وَإِضْحَاكِ النَّاسِ عَلَيْهِمْ، وَقَدْ يَرْضَوْنَ بِنَشْرِ هَذِهِ اللِّقَاءَاتِ، بَعْدَ الاِسْتِخْفَافِ بِـهِمْ؛ إِمَّا مِنْ جَرَّاءِ الضَّغْطِ عَلَيْهِمْ وَإِحْرَاجِهِمْ، أَوْ بِسَبَبِ مَا يَدْفَعُونَهُ لَـهُمْ مِنْ أَمْوَالٍ؛ بِسَبَبِ فَاقَتِهِمْ. وَغَالِبُ هَذِهِ اللِّقَاءَاتِ هَدَفُهَا السُّخْرِيَةُ بِالْمُسْلِمِ، فَلَا يَنْبَغِي لِمُسْلِمٍ يَتَّقِي اللهَ أَنْ يَفْعَلَهَا، أَوْ يَرْضَاهَا، أَوْ يَفْرَحَ بِـهَا؛ فَفِي الْـحَدِيثِ قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ، دَمُهُ، وَمَالُهُ، وَعِرْضُهُ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ.

• فَعَلَى الْمُسْلِمِ إِذَا وَصَلَتْ لَهُ هَذِهِ السُّخْرِيَةُ عَبْـرَ وَسَائِلِ التَّوَاصُلِ الِاجْتِمَاعِيِّ؛ أَنْ يَتَّقِيَ اللهَ، وَلَا يُشَاهِدُهَا، وَلَا يُعِيدُ نَشْرَهَا، وَعَلَيْهِ أَنْ يُنَاصِحَ مَنْ نَشَرَهَا وَأَرْسَلَهَا لَهُ؛ بِأَنْ يَتَّقِيَ اللهَ فِي نَفْسِهِ؛ فَقَدْ تَضْحَكُ الْيَوْمَ مِنْهُمْ، وَتُضْحِكُ عَلَيْهِمُ النَّاسَ؛ عِنْدَمَا تَتَعَمَّدُ إِرْسَالَـهَا، ثُـمَّ تَقِفُ بَيْـنَ يَدِيِّ اللهِ فَيَسْأَلُكَ عَنْهَا، قَالَ اللهُ تَعَالَى: (أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ * لِيَوْمٍ عَظِيمٍ * يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ). فَاستَعِيذُوا –عِبَادَ اللهِ- مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ، وَقَهْرِ الرِّجَالِ، وَشَـمَاتَةِ الأَعْدَاءِ). 

• اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَنْ نَضِلَّ أَوْ نُضَلَّ، أَوْ نَظْلِمَ، أَوْ نُظْلَمَ، أَوْ نَـجْهَلَ، أَوْ يُـجْهَلَ عَلَيْنَا.

• الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ، وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ ،حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مَا سَأَلَكَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، ونَسْتَعِيذُ بِكَ مِمَّا اسْتَعَاذَ مِنْهُ عِبَادُكَ الصَّالِحُونَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ، رَبَّنَا إِنَّنَا آمَنَّا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ، رَبَّنَا وآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ  .وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ...