|

19 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

الـخطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له،تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ...

فاتقوا الله- عباد الله- حق التقوى؛ واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

عباد الله: ها هو العيد يعود، ويطل على الأمة، ويكسو المسلم اليوم فرحة عظيمة، يشعر بها بين جوانحه؛ فيعبر عنها المؤمن باحتفاله في هذا اليوم المجيد0

عباد الله: تذكروا نعمة الله علينا؛ بأن رزقنا الأمن والأمان، بإقامتنا لشرعه ، واتباعنا لنهج نبيه، عليه الصلاة والسلام؛ فالحذر الحذر من دعاة الفتنة والشر، الذين يسعون لإبدال نعمة الله علينا بالأمن والاستقرار، إلى التفرق، والتشتت، والضياع، (ألم تر إلى الذين بدلوا نعمة الله كفرا وأحلوا قومهم دار البوار * جهنم يصلونها وبئس القرار).

أيها المسلمون، بمجرد دخول العيد لهجت الألسن بتكبير الله، في بيوت الله، وبيوت المؤمنين، وفي الطرقات، وفي الأسواق ،يأتـمر الـمكبـرون بأمر الله تعالى:( واذكروا الله في أيام معدودات)، لقد تشنفت الأسماع ، وعباد الرحمن يحيون سنة عظيمة، سنة التكبير، يلهجون بالتكبير في كل فجاج الأرض، ويتقدمهم تكبير الـحجيج، الذين وقفوا بالأمس في عرفات ملبين، ومكبـرين ، ومهلليـن؛ فشعارنا التكبير:(الله أكبر ، الله أكبر ،الله أكبر كبيرا.)، الله أكبر، توحيدا خالصا ، الله أكبر، توجها صادقا نحو تعظيم الله وتوقيره .

عباد الله، لقد أتيتم في هذا اليوم العظيم، الذي هو أعظم أيام السنة عند الله تعالى؛ لتؤدوا هذه الصلاة المباركة، ثم تتقربوا إلى الله تعالى بالضحايا. وإخوانكم الحجاج الآن في نسك رمي الجمار، والطواف بالبيت الحرام، والـحلق والتقصير، ونحر الهدي؛ فيالها من عبادات جليلة! وشعائر عظيمة! في أيام كريمة، رأسها وتاجها يوم النحر، يوم التقرب لله تعالى بالدماء، ونسك الأنساك، هذا اليوم الذي قال فيه النبي، صلى الله عليه وسلم: «أمرت بيوم الأضحى عيدا جعله الله، عز وجل، لهذه الأمة» رواه ابن حبان،وغيره بسند صحيح.

عباد الله، إنـــنا اليوم في يوم العج والثج؛ يوم النحر، وإراقة دماء الهدي في المشاعر،و الأضاحي في البلدان. قال، صلى الله عليه وسلم يوم النحر: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا الصلاة، ثم النحر؛ فمن فعل ذلك فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل الصلاة؛ فإنما هو لحم عجله لأهله، ليس من النسك في شيء» رواه البخاري.

فتقربوا لله تعالى بالضحايا، وكلوا، وأهدوا، وتصدقوا، وكبروا الله تعالى؛ إذ هداكم، واشكروه على ما أعطاكم..

أيها الموحدون، املؤوا قلوبكم تعظيما لله تعالى وإجلالا، واستشعروا عظمته في أحوالكم كلها، وفي عباداتكم جميعها. استشعروا عظمته سبحانه، وأنتم له تركعون وتسجدون، واستشعروا عظمته (عز وجل)، وأنتم له تذبحون وتنسكون. واستشعروا عظمته، وأنتم تقلبون أبصاركم في ملكوت السماوات والأرض.

أيها المسلمون : ودع رسول الله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم الناس ، وختم رسالته في مكة كما بدأها قبل ثلاث وعشرين سنة ، قضاها في الدعوة؛ فيالها من رسالة خالدة؛ جاءت بالرحمة، والرأفة للناس أجمعين ! رسالة جاءت بطمس الوثنية، وإزالة أوضار الجاهلية ! نور جاء لإخراج العباد، من عبادة العباد، إلى عبادة رب العباد لقد جاء(صلى الله عليه وسلم) بالتوحيد الخالص، الذي هو حق الله على العبيد ، ففي مكة في بداية دعوته( صلى الله عليه وسلم) قال للناس: (اعبدوا الله وحده، ولا تشركوا به شيئا ، واتركوا ما يقول آباؤكم) [رواه البخاري] ، وفي آخر حياته قال: (لعنة الله على اليهود والنصارى اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد) [مـتــفـق عليه] يحذر ما صنعوا من الشرك. حذر، صلى الله عليه وسلم، من الشرك كله: صغيره وكبيره، دقيقه وجليله ، يأتيه رجل فيقول له : ما شاء الله وشئت ! فيرد عليه ويقول ( أجعلتني لله ندا ؟ بل ما شاء الله وحده ) [رواه أحمد بسند صحيح] علم الناس أسماء الله وصفاته ، وأخبرهم بحقوق الله عز وجل. أمر بصالح الأعمال وحث على جميل الخلال : أمر بالصلاة والزكاة والصوم والحج ، ورغب في الصدق والعفاف، وأمر ببر الوالدين، وصلة الأرحام، والإحسان إلى المرأة واليتيم والفقير، ونهى عن: الظلم، والجور، والكذب، والغش، والزور، والـمسكرات، والربا، والزنا.

أمة الإسلام، إنكم على دين عظيم؛ هو ملة أبيكم إبراهيم ، إنه الدين الذي طلبه الله منا، وارتضاه لنا، قال الله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) ، إنه الدين الذي لا يقبل الله دينا سواه ، قال الله تعالى: (ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين)؛ فلا فضل فيه لعربي على عجمي، ولا أبيض على أسود؛ إلا بالإيمان والتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب ، قال الله تعالى: (يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير) وقال تعالى: (إنما المؤمنون إخوة) .جاء باحترام الكبير سواء أكان في سنه، أم علمه، أم منزلته، جاء بالرحمة بالصغير في عمره أو مكانته ! قال صلى الله عليه وسلم: (ليس منا من لم يجل كبيرنا، ويرحم صغيرنا، ويعرف لعالمنا حقه) [رواه أحـمد وحسنه الألباني]. جاء بحق الأرملة والمسكين والخادم ، قال النبي (صلى الله عليه وسلم): (الساعي على الأرملة والمسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار) [مـتــفـق عليه]، وقال (صلى الله عليه وسلم): (إذا أتى أحدكم خادمه بطعامه فإن لم يجلسه معه فليناوله أكلة أو أكلتين أو لقمة أو لقمتين) [مـتــفـق عليه] . فهل رأى الناس أجمعون دينا أحسن من ديننا أو ملة خيرا من ملتنا ؟

أيها المؤمنون، إنكم على دين جاء بالعدل حتى مع الأعداء ! قال الله (عز وجل): (إن الله يأمر بالعدل والإحسان) ؟ ألم يقل سبحانه: (ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى) ؟

إنه دين جاء بالعدل بين الأولاد ، والمساواة بين الزوجات ، قال رسول الله(صلى الله عليه وسلم): (فاتقوا الله واعدلوا بين أولادكم) وقال (صلى الله عليه وسلم) :(من كانت له امرأتان ، فمال إلى إحداهما ، جاء يوم القيامة وشقه مائل) [رواه الـخمسة، بسند صحيح] .إنه دين جاء بحق الراعي، وحق الرعية : قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (تسمع وتطيع للأمير؛ وإن ضرب ظهرك، وأخذ مالك؛ فاسمع وأطع)[رواه مسلم] وقال في حق الرعية: (اللهم من ولي من أمر أمتي شيئا، فشق عليهم؛ فاشقق عليه، ومن ولي من أمر أمتي شيئا، فرفق بهم؛ فارفق به)[ رواه مسلم]

أمة الإسلام : إنه الدين الذي جاء بإكرام الضيف وإعزازه ، وإكرام الجار وتحمل أذاه ، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم): (من كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فلا يؤذ جاره، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليكرم ضيفه، ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر؛ فليقل خيرا أو ليصمت)[ مـتــفـق عليه]، إنه دين الرفق، والرأفة، والرحمة؛ حتى بالحيوان ، فكيف بالإنسان ؟ قال الله عز وجل: (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين).

أيها المسلمون، لعلكم ترون ما تـمر به بعض بلدان العالم، من نكسات اقتصادية، وانتشار الفقر، والبطالة، والجوع في الأرض؛ ولذا فإنه من المهم بـمكان تحصين القلوب بالإيمان والتوكل، واليقين؛ حتى لا تميد عظائم الأحداث بالقلوب فتحرفها عن الإيمان، فيخسر أصحابها آخرتهم مع دنياهم..

لا بد من تعليق قلوب الناس بالله تعالى، والإنابة إليه: (وأنيبوا إلى ربكم وأسلموا له من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون) ،وتأملوا ثبات الخليل (عليه السلام)؛ لما قذف في النار مع، وصف الله تعالى له بالإنابة: (إن إبراهيم لحليم أواه منيب) لنعلم أن الإنابة سبب للثبات في الشدائد، ولا ينتفع مما يمر به من أحداث، ولا يقف على مواضع الاعتبار؛ إلا أهل الإنابة(وما يتذكر إلا من ينيب). والإنابة هي الرجوع عن كل شيء إلى الله تعالى، فلا تعلق بالحول والقوة، ولا ركون إلى أحد إلا إلى الله تعالى، وحوله وقوته. مع الاستعانة بالله تعالى على مكروه القدر (ومن يؤمن بالله يهد قلبه)، والتوكل عليه وحده لا شريك له؛ فالأمر أمره، والملك ملكه، والخلق خلقه، والعبيد عبيده، (ولله غيب السماوات والأرض وإليه يرجع الأمر كله فاعبده وتوكل عليه) والاعتصام بالله دون سواه، مع تعويد النفس على الصبر، وكثرة العبادة (فأقيموا الصلاة وآتوا الزكاة واعتصموا بالله هو مولاكم فنعم المولى ونعم النصير) وقال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استعينوا بالصبر والصلاة إن الله مع الصابرين).

أقول قولي هذا....

 

 الـخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله ،وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ......

فاتقوا الله - عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى .

أيتها المرأة المسلمة، ما يدبره الأعداء من الكيد للمرأة المسلمة يفوق الخيال، إنهم يكيدون بها كيدا عظيما.. يسعون لتغريب المرأة، وإفسادها، واختلاطها بالرجال، وإشعال صراع بينها وبين الرجل؛ وكأنهم أعداء، تحت لافتات حقوق المرأة المسلوبة، وحريتها المكبوتة، ولن يهدأ لهم بال حتى يروها ألعوبة في أيدي الرجال يتسلون بها. إن على النساء المسلمات رفض ما يمس دينهن، وحجابهن، وعفافهن؛ نصرة لدين الله تعالى، وغيرة على حرمات الشريعة أن ينتهكها أراذل الناس؛ لتغييرها وتبديلها، أو صرف الناس عنها.

حفظ الله تعالى نساء المسلمين بحفظه! وأسبغ عليهن عافيته وستره، ورد عنهن أفكار المفسدين! إنه سميع مجيب.

أيها المسلمون: افرحوا بنعمة الله عليكم بـهذا العيد العظيم، وصلوا فيه أرحامكم، وبروا والديكم، وأدخلوا السرور على أهلكم وأولادكم، وكلوا من ضحاياكم وتصدقوا وأهدوا، وكونوا عباد الله إخوانا، وأكثروا من التضرع والدعاء لإخوانكم المسلمين في كل مكان.

اللهم فرج كربهم! وأظهر أمرهم ! وانتصر لهم! اللهم اربط على قلوبهم! وثبت أقدامهم! وقو عزائمهم! وانصرهم على من بغى عليهم!

اللهم اجعله عيد عز، ونصر، وتمكين، اللهم أعده علينا، وعلى المسلمين باليمن والإيمان، والسلامة والإسلام، وتقبل منا ومن المسلمين صالح الأعمال، وتـجاوز عن سيئها.

اللهم احفظ حجاج بيتك الـحرام، من كل مكروه وسوء، اللهم أعدهم إلى ديارهم وأبنائهم؛ سالمين غانـمين، اللهم تقبل حجهم، واغفر ذنوبهم، واجعل الجنة جزاءهم، اللهم وفقنا وحجاج بيتك الحرام لـما تـحب وترضى. اللهم احم بلادنا وسائر بلاد الإسلام من الفتن، والمحن ما ظهر منها وما بطن، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهم اجعله سلما لأوليائك، حربا على أعدائك، اللهم ارفع راية السنة، واقمع راية البدعة، اللهم احقن دماء أهل الإسلام في كل مكان، اللهم انصر الـمجاهدين على حدود بلادنا، اللهم اخلفهم في أهليهم خيـرا، واحفظهم بحفظك، اللهم صوب رميهم، وثبت أقدامهم، وانشر الرعب في قلوب عدوهم، وانصرهم على عدوك وعدوهم، اللهم عليك بالحوثيين الظلمة، اللهم شتت جمعهم، وفرق شملهم، واجعل الدائرة عليهم، اللهم انصر من نصر الدين، واخذل من خذل الدين، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر، اللهم أكثر أموال من حضر، وأولادهم، وأطل على الخير أعمارهم، وأدخلهم الجنة.

سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.