|

24 جمادى الآخر 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الـخطبةُ الأُولى

   إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا. 

أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ، كَمْ تَكَلَّمَ رَجُلٌ بِكَلِمَةٍ لَا تَعْنِيهِ؛ فَكَانَتْ شَرًّا وَوَبَالًا عَلَيْهِ ! وَمِثَالُهُ ذَلِكُمُ الرَّجُلُ الَّذِي اِجْتَـرَأَ عَلَى اللهِ، وَتَدَخَّلَ فِيمَا لَا يَعْنِيهِ، وَقَالَ: (وَاللهِ لَا يَغْفِرُ اللهُ لِفُلَانٍ، فَقَالَ اللهَ تَعَالَى: مَنْ ذَا الَّذِي يَتَأَلَّى عَلَيَّ أَنْ لَا أَغْفِرَ لِفُلَانٍ، فَإِنِّي قَدْ غَفَرْتُ لِفُلَانٍ، وَأَحْبَطْتُ عَمَلَكَ " رَوَاهُ مُسْلِمٌ. وَكَمَا قَالَ رَاوِ الْـحَدِيثِ، فِيمَا رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ: (تَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ أَوْبَقَتْ دُنْيَاهُ وَآخِرَتَهُ)، فَكَمْ مِنْ مُتَكَلِّمٍ بِكَلِمَةٍ لَا تَعنِيهِ أَضَرَّتْ بِهِ! كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ العَبْدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ، مَا يَتَبَيَّنُ فِيهَا، يَزِلُّ بِهَا فِي النَّارِ أَبْعَدَ مِمَّا بَيْنَ المَشْرِقِ) رَوَاهُ البخَارِيُّ ومُسلِمٌ.

فَلْنَحْفَظْ أَلْسِنَتَنَا مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي لَا يَعْنِينَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ يَضْمَنْ لِي مَا بَيْنَ لَحْيَيْهِ وَمَا بَيْنَ رِجْلَيْهِ أَضْمَنْ لَهُ الجَنَّةَ» رَوَاهُ البُخَارِيُّ.

عِبَادَ اللهِ، اِتِّبَاعًا لِـهَذَا التَّوْجِيهِ النَّبَويِّ الْكَرِيـمِ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ» الَّذِي رَوَاهُ أَحْـمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ؛ عَلَيْنَا أَنْ نَنْشَغِلَ بِأَنْفُسِنَا عَنْ غَيْـرِنَا، وَبِعُيُوبِنَا عَنْ عُيُوبِ غَيْـرِنَا، فَهَذَا وَاللهِ الَّذِي يَعْنِينَا. وَنَكُفَّ أَلْسِنَتَنَا وَأَلَّا نُؤْذِيَ غَيْـرَنَا، كَمَا قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (المُسْلِمُ مَنْ سَلِمَ المُسْلِمُونَ مِنْ لِسَانِهِ وَيَدِهِ). رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا، وَنَسْعَى إِلَيْهِ مُتَوَكِّلِيـنَ عَلَى اللهِ، مُوقِنِيـنَ بِهِ؛ النَّجَاةُ مِنْ عَذَابِهِ، وَالْفَوْزُ بِـجِنَانِهِ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا أَنْ نُطَهِّرَ قُلُوبَنَا مِنْ أَدْرَانِـهَا، وَنُزِيلَ مِنْهَا الأَحْقَادَ وَالضَّغَائِنَ، وَالرِّيَاءَ، وَحُبَّ السُّمْعَةِ، وَالنِّفَاقَ، وَالْكَذِبَ، وَنُعَالِـجَ قَسْوَةَ قُلُوبِنَا بِالإِكْثَارِ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، وَتِلَاوَةِ كِتَابِهُ عَزَّ وَجَلَّ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا وَيَرْفَعُنَا؛ أَنْ نُزَكِّيَ أَخْلَاقَنَا، وَنُطَهِّرَ قُلُوبَنَا؛ حَتَّـى نَكُونَ مِنْ أَحَبِّ الْـخَلْقِ إِلَى اللهِ، وَإِلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وكَمَا قَالَ: صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ مِنْ أَحَبِّكُمْ إِلَيَّ وَأَقْرَبِكُمْ مِنِّي مَجْلِسًا يَوْمَ القِيَامَةِ أَحَاسِنَكُمْ أَخْلَاقًا)، رَوَاهُ التِّـرْمِذِيُّ وَغَيْـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا أَنْ نُـحْسِنَ تَرْبِيَةَ أَنْفُسِنَا، وَمَنْ لَنَا عَلَيْهِمْ حَقُّ الوِلَايَةِ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا أَنْ نُسَابِقَ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ، وَأَنْ نُسَارِعَ بِالتَّوْبَةِ إِلَيْهِ، وَأَنْ نَتَنَافَسَ عَلَى طَاعَتِهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ نُبَادِرَ بِأَدَاءِ الْوَاجِبَاتِ وَالْفَرَائِضِ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا أَنْ نَصِلَ الأَرْحَامَ، وَنَرْحَمَ الضُّعَفَاءَ وَالْفُقَرَاءَ وَالْمَسَاكِيـنَ، وَأَنْ نَبَـرَّ بِالآبَاءَ، وَالأُمَّهَاتِ، وَالأَبْنَاءَ، وَأَنْ نُـحْسِنَ مُعَاشَرَةَ الأَزْوَاجِ، وَالتَّعَامُلَ مَعَ الْأَقَارِبِ وَالْـجِيـرَانِ.

إِنَّ الَّذِي يَعْنِينَا حَقًّا أَنْ نَسْعَى لِـجَعْلِ حَيَاتِنَا كُلِّهَا للِه؛ اِسْتِجَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)

عِبَادَ اللهِ، إِنَّ هُنَاكَ أُمُورًا لَا تَعْنِينَا، بَلْ تَضُرُّ بِدِينِنَا وَدُنْيَانَا، وَمَعَ ذَلِكَ يَقَعُ فِيهَا بَعْضُنَا، وَمِنْ ذَلِكَ مَثَلًا:

مُطَالَعَةُ فَضَائِحِ النَّاسِ، والسُّخريَةُ منهمْ، وسبُّهمْ وشتْمُهمْ وذَمُّهمْ فِي مَواقعِ التَّواصُلِ الاجتِمَاعِيِّ وَغَيْـرِهَا، والتِمَاسُ عَثَرَاتِـهِمْ، خَاصَّةً عَثَرَاتِ العُلَـمَاءِ والمسؤولِينَ، وإخراجُ المشاهِدِ الساخِرَةِ بِـهِمْ، وتَشْوِيهُ صُوَرِهِمْ، وإِحْرَاجُهُمْ وَأَهليهِمْ، أمَامَ العالَـمِ، والْـحُكْمُ عَلَى نَوَايَا النَّاسِ، والفَرَحُ بِزَلَّاتِـهِمْ؛ وَكَأَنَّـهَا صَيْدٌ ثَـمِينٌ، والأَخطرُ أَنْ يَظُنَّ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَنَّهُ بِـهَذَا الفَضْحِ يُـحْسِنُ صُنْعًا، وَيَعُدُّهُ قُرْبَةً للهِ. 

وَلَوِ اسـتَجَبنَا لِقَولِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فِـيمَا رَواهُ البخاريُّ ومسلمٌ: «إِنِّي لَمْ أُومَرْ أَنْ أَنْقُبَ عَنْ قُلُوبِ النَّاسِ وَلاَ أَشُقَّ بُطُونَهُمْ»؛ لأَفْـلَحْنَا فِي الدَّارَيْنِ.

فَهَذِهِ أُمُورٌ لَا ثَـمَرةَ لَـهَا، وَضَرَرُهَا عَلَى مَنْ يَفْعَلُهَا فِي الدَّارَيْنِ مُتَحَصِّلٌ؛ إِلَّا أَنْ يَتُوبَ اللهُ عَلَيْهِ، وَيَعْفُوَ عَنْهُ.

وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِـي لَا تَعْنِينَا: مَا يقومُ بِهِ البعضُ منْ تفتيشِ أجـهِزَةِ لَيستْ لَهُ، كَمَنْ يأخذُ جوالَ غَيـرِهِ، ويَستعرِضُ الرسائِلَ والمكالماتِ، وَهَذِهِ الأُمُورُ تُوغِرُ الصُّدُورَ، وَخَاصَّةً بينَ الزَّوْجَينِ وَالأَصْحَابِ حينمَا يُفتشُ كُلٌّ منهُمَا جَوَّالَ الآخَرِ سَعْيًا للعُثُورِ عَلَى زَلَّةٍ، وَهَذَا مِنَ التَّجَسُّسِ وَمِنْ سُوءِ النِّيَّةِ والطَّوِيَّةِ.

وَهُنَاكَ مَنْ يَرْكَبُ مَعَ غيرِهِ سيارَتَهُ، ثُـمَّ يَعْبَثُ بِأَوراقِهِ، ويبدَأُ بِسؤالِهِ عَمَّا فِي الأرواقِ. 

وَكَمَنْ يزورُ غيرَهُ فيطَّلِعُ علَى أسرارِهِ وأوراقِهِ وكتُبِهِ، ويبدَأُ بإِحْرَاجِهِ: مَا قِصَّةُ هَذِهِ الرِّسَالَةِ؟ مَا قِصَّةُ تِلْكَ الورقَةِ، وَمَا عِلَاقتُكَ بِصَاحِبِ هَذِهِ الرسالَةِ؟ وَغَيرُ ذَلِكَ مِنَ الأَسئِلةِ التِـي لَا دَاعِي لَـهَا، وَلَا ثَـمَرةَ لـهَا.

وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِـي لَا تَعْنِينَا نَقْدُ النَّاسَ، ولومُهُمْ ومعَاتَبَتُهُمْ، وَسَلْقُهُمْ بألسنةٍ حِدَادٍ، ونَقْدُ الـمُجْتَمَعِ وأفرَادِهِ، والتَّنَقُّصُ مِنْهُ بينَ العالَـمِيـنَ. وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِـي لَا تَعْنِينَا إِثَارَةُ مَا جرَى بينَ أصحابِ محمدٍ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حتَّـى أصبَحَ بعضُهُمْ يُنَصِّبُ نَفْسَهُ حَكَمًا بينهُمْ، نَاهِيكَ عَنْ أَنَّ غَالِبَ الآثارِ الْمَرْوِيَّةِ فِي مَسَاوِيهِمْ مَكْذُوبَةٌ وَمَوضُوعَةٌ، أَو زِيدَ فِيهَا وأُنقِصَ. 

دَع ما جَرى بَينَ الصَحابَةِ في الوَغى 

              بِسُيوفِهِم يَومَ التَقى الجَمْعانِ

فَقَتيلُهُم مِنْهُم وَقاتِلُهُم لَهُمْ             

              وَكِلاهُما في الحَشْرِ مَرْحومانِ

جَعَلَنِـي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِـي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ. أَقُولُ قَوْلِي هَذَا ... 

 

الخطبةُ الثانيةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ (إِنَّ مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ)؛ لَا يَقْتَصِرُ عَلَى الْمُحَرَّمَاتِ فَقَطْ، وَإِنَّـمَا يَشْمَلُ فُضُولَ الْكَلَامِ، فَهُنَاكَ مَنْ يُـحْرِجُ الآخَرِينَ بِأَسْئِلَتِهِ الَّتِـي لَا دَاعِيَ لَـهَا، وَلَا فَائِدَةَ منهَا، كقولِ بعضِهِمْ لِغَيْـرِهِ: (ظَهرتِ التَّجَاعِيدُ عَليكَ، وكثُرَ البيَاضُ فِي شَعرِكَ)، وكَأَنَّهُ هُوَ الذِي اختَارَ هَذَا وَأَرَادَهُ ؟! حَتَّـى قَالَ رَجُلٌ لِرَجُلٍ: (كَثُرَ البيَاضُ في شَعْرِكَ؟ فَرَدَّ عَلَيهِ: (مِنْ كَثْرَةِ مَا رَأَيتُكَ)، وَهُناكَ مَنْ يُلِحُّ عَلَى الآخَرِينَ بأسئِلَةٍ مُزْعِجَةٍ لَـهُمْ، وَلَا ثَـمَرَةَ مِنْهَا، كَقَولِ بَعضِهِمْ لِبَعْضٍ: أينَ أنتَ البارحةَ؟ ومعَ مَنْ كُنتَ؟ أو إلى أينَ أنتَ ذاهِبٌ؟ وكَمْ دَخلُكَ الشَّهريُّ؟ وكمْ عندكَ من زوجةٍ؟ وإِلى أينَ ستسافِرُ في هذِهِ الإِجَازَةِ؟ ومعَ منْ ستسافِرُ؟ وكمْ ثَروتُكَ؟ وَلقدْ رأيتُ فُلانًا عندَكَ، فَماذَا يُريدُ مِنْكَ؟ وَمَنِ الذِي حَادَثَكَ عَلَى الـهَاتِفِ؟ بلْ وبعضُهُمْ ينقلُ لكَ أخبَارًا لَا تعنِيكَ؛ كَقَولِهِ: هَلْ عَلِمْتَ أَنَّ فَلَانًا سَافَرَ مَعَ أهلِهِ إِلى بَلدَةِ كَذَا وكذَا؟ هلْ علمْتَ أنَّ فُلانًا سيقضِي إِجَازَتَهُ مَعَ فُلَانٍ فِي بَلدةِ كَذَا؟ وَهَلْ وَجَّهَا لَكَ الدَّعْوَةَ؟ وهَلْ ستذْهَبُ مَعْهُمَا؟ 

وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِـي لَا تَعْنِينَا قولُ بعضِهِمْ لبعضٍ: فُلَانٌ تَزَوَّجَ وَلَدُهُ، هَلْ دَعَاكَ؟ أَو لِـمَاذَا لَـمْ يَدْعُكَ؟ أو لِمَاذَا تَأَخَّرَتِ ابنتُكَ أو ابنُكَ في الزَّوَاجِ؟ بَلْ يَصِلُ ببعضِهِمْ إِلى أَنْ يَسْأَلَ عَنِ الأُمُورِ الْـخَاصَّةِ جِدًّا التِـي لَا يَلِيقُ بِـمُسْلِمٍ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا مُسْلِمًا.

وَإِنْ كَانَتْ بَعْضُ هَذِهِ الأَسئلَةِ مِنْ أَجْلِ مَصْلَحَةٍ للمسؤُولِ، كَمَنْ يَسأَلُ غَيْـرَهُ: لِمَاذَا لَا أَوْلَادَ لَكَ؟ بُغْيَةَ إِرْشَادِهِ إِلى طَبِيبٍ، أَو تَسديدِ دَينٍ عَنْهُ؛ فَلَا بَأْسَ، ولكنْ بشرطِ أنْ تَكونَ هَذِهِ الأسئِلَةُ خَاصَّةً بَـينَهُمَا، وَلَيْسَتْ فِي جَـمْعٍ مِنَ النَّاسِ؛ خَشيَةَ إِحرَاجِهِ أَمَامَهُمْ.

وَمِنَ الأُمُورِ الَّتِـي لَا تَعْنِينَا، وَيَنْبَغِي الإِقلاعُ عَنْهَا؛ قولُ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ: هَلْ تَقُومُ اللَّيلَ؟ مَا صَومُكَ فِي النَّفْلِ؟ سُبحَانَ اللهِ! مَالَكَ وَذَاكَ؟! فَهِيَ أَعمَالٌ خَاصَّةٌ بينَ العبدِ وربِّهِ.

وهُنَاكَ مَنْ يَتَعَمَّدُ سُؤَالَ الطِّفْلِ عَنْ أَشْيَاءَ تَـخُصُّ وَالِدَيهِ، لأَنَّهُ يَعْرِفُ أَنَّ الطِّفْلَ سَيُجِيبُهُ بِصُورَةٍ تِلْقَائِيَّةٍ؛ وَهَدَفُهُ الاِطِّلَاعُ عَلَى أَسْرَارِ الْبُيُوتِ، وَبَعْضُهُمْ يَسْتَجْوبُ عُمَّالَ وَسَائِقِي أَصْحَابَهُ؛ حَتَّـى يَعْرِفَ أَسْرَارَ أَهْلِ بَيْتِ صَاحِبِهِ.

فَمِثْلُ هَذِهِ الأُمُورِ-عِبَادَ اللهِ- تُوغِرُ الصُّدُورَ، وَقَدْ تُوقِعُ النَّاسَ فِي الْكَذِبِ، بَلْ قَدْ تُؤَدِّي إِلى الْقَطِيعَةِ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!

وَقَدْ عَدَّ الإِمَامُ السيوطِيُّ، رَحِـمَهُ اللهُ، كُلَّ ذَلِكَ مِنْ قَبِيلِ التَّجَسُّسِ.

فَعَلَينَا أَنْ نَلتَزِمَ بِالتَّوجِيهِ النَّبَوِيِّ الكَرِيـمِ: «مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ المَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ»

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.