|

30 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الْـخُطْبَةُ الأُولَى

   إنَّ الْـحَمْدَ للهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتِغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا، وسيئاتِ أعمالِنَا، مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ وَخَلِيلُهُ، وَصَفْوَتُهُ مِنْ خَلْقِهِ صَلَّى اللهُ عليه، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.

أمَّا بَعْدُ ... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حقَّ التَّقْوَى؛ واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ، وَعَلَيْكُمْ بِالْـجَمَاعِةِ؛ فَإِنَّ يَدَ اللهِ مَعَ الْـجَمَاعَةِ، وَمَنْ شَذَّ شَذَّ فِي النَّارِ.

عِبَادَ اللهِ، لَقَدْ جَعَلَ اللهُ التَّصْدِيقَ بِاليومِ الآخِرِ ركنًا مِنْ أَرْكَانِ الإِيـمَانِ، أَجْـمَعَتْ عَلَيهِ الأمةُ قاطِبةً، وَأجـمعتْ عليهِ الشرائِعُ السماوِيَّةُ السابِقَةُ، ولا يُنكرُهُ إِلَّا مُلْحِدٌ. وَمِنْ آثارِ الإيـمانِ باليومِ الآخرِ الخوفُ مِنْ عواقِبِهِ الوخِيمَةِ، والحذرُ مِنْ آثارِهِ الْمُخِيفَةِ، وَمِنْ فَزَعِهِ وَأَهوَالِهِ، قالَ تَعالَى: (وَأَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلَى رَبِّهِمْ لَيْسَ لَهُمْ مِنْ دُونِهِ وَلِيٌّ وَلَا شَفِيعٌ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ)، وتبدأُ أولُ مراحلِ اليومِ الآخِرِ بسكرَةِ الموتِ، وخروجِ الروحِ، الَّتِـي تتفاوَتُ بِـحَسْبِ تَفَاوتِ الأعمالِ، قالَ اللهُ تَعالَى: (وَجَاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ)، والسكرَةُ عندَ الـموتِ؛ لَو سَلِمَ مِنهَا أحدٌ؛ لَسَلِمَ مِنهَا خيرُ البشرِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؛ حَيثُ قَالَ عندَ وفاتِهِ: «لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ إِنَّ لِلْمَوْتِ لَسَكَرَاتٍ» رواهُ البخارِيُّ، وبعدَ هذهِ السكرةِ تتفاوتُ شِدَّةُ خُروجِ الروحِ وسهولتِهَا على قَدْرِ الإيـمانِ والكفرِ؛ فالمؤمنُ عندَ خروجِ روحِهِ تَـحْضُرُهَ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ، بِيضُ الْوُجُوهِ، بيضُ الثيابِ، فَتَقُولُ لَهُ : (أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ) رواهُ أحمدُ وغيرُهُ بسندٍ صحيحٍ. قَالَ تَعالَى: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ذَكَرَ ابنُ جريرٍ-رَحِـمَهُ اللهُ- أنَّ مِنْ مَعَانِيهَا: بُشْرَى الملائِكَةِ إِيَّاهُ عندَ خروجِ نَفْسِهِ بِرَحْـمَةِ اللهِ؛ مُستدلًا بقولِهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " إِنَّ الْعَبْدَ الْمُؤْمِنَ إِذَا كَانَ فِي انْقِطَاعٍ مِنَ الدُّنْيَا وَإِقْبَالٍ مِنَ الْآخِرَةِ، نَزَلَ إِلَيْهِ مَلَائِكَةٌ مِنَ السَّمَاءِ بِيضُ الْوُجُوهِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الشَّمْسُ، مَعَهُمْ كَفَنٌ مِنْ أَكْفَانِ الْجَنَّةِ، وَحَنُوطٌ مِنْ حَنُوطِ الْجَنَّةِ، حَتَّى يَجْلِسُوا مِنْهُ مَدَّ الْبَصَرِ، ثُمَّ يَجِيءُ مَلَكُ الْمَوْتِ، عَلَيْهِ السَّلَامُ، حَتَّى يَجْلِسَ عِنْدَ رَأْسِهِ، فَيَقُولُ: أَيَّتُهَا النَّفْسُ الطَّيِّبَةُ، اخْرُجِي إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنَ اللهِ وَرِضْوَانٍ ". قَالَ: " فَتَخْرُجُ تَسِيلُ كَمَا تَسِيلُ الْقَطْرَةُ مِنْ فِي السِّقَاءِ، فَيَأْخُذُهَا، فَإِذَا أَخَذَهَا لَمْ يَدَعُوهَا فِي يَدِهِ طَرْفَةَ عَيْنٍ حَتَّى يَأْخُذُوهَا، فَيَجْعَلُوهَا فِي ذَلِكَ الْكَفَنِ، وَفِي ذَلِكَ الْحَنُوطِ، وَيَخْرُجُ مِنْهَا كَأَطْيَبِ نَفْحَةِ مِسْكٍ وُجِدَتْ عَلَى وَجْهِ الْأَرْضِ " قَالَ: " فَيَصْعَدُونَ بِهَا، فَلَا يَمُرُّونَ بِهَا، عَلَى مَلَإٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، إِلَّا قَالُوا: مَا هَذَا الرُّوحُ الطَّيِّبُ؟ فَيَقُولُونَ: فُلَانُ بْنُ فُلَانٍ، بِأَحْسَنِ أَسْمَائِهِ الَّتِي كَانُوا يُسَمُّونَهُ بِهَا فِي الدُّنْيَا، حَتَّى يَنْتَهُوا بِهَا إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَسْتَفْتِحُونَ لَهُ، فَيُفْتَحُ لَهُمْ، فَيُشَيِّعُهُ مِنْ كُلِّ سَمَاءٍ مُقَرَّبُوهَا إِلَى السَّمَاءِ الَّتِي تَلِيهَا، حَتَّى يُنْتَهَى بِهِ إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ، وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ، فَإِنِّي مِنْهَا خَلَقْتُهُمْ، وَفِيهَا أُعِيدُهُمْ، وَمِنْهَا أُخْرِجُهُمْ تَارَةً أُخْرَى " أخرجَهُ أحمدُ وغيرُهُ بسندٍ صحيحِ.

اللهُ أكبرُ! هَكَذَا تَـخرجُ الروحُ المؤمنةُ التي عَمَرَتْ جَسَدَهَا بعملٍ صالِـحٍ، عَمَرَتْهُ بالتوحيدِ، والتسبيحِ، والتكبيرِ، عَمَرَتْهُ بالصلاةِ والصيامِ والحجِّ والزكاةِ؛ فَتُطَمْئِنُهُ الملائِكَةُ عندَ مَوتِهِ أَلَّا يَـخَافَ مِـمَّا أَمَامَهُ، فأهلُ الإيمانِ يُبشَّرُونَ في ثلاثةِ مواضعَ: عندَ الموتِ، وفي القبرِ ، ويومَ البعثِ، فيقالُ لهم: (أَلَّا تَخَافُوا) مِـمَّا تَقْدُمُونَ عليهِ مِنْ أمرِ الآخرةِ (وَلَا تَحْزَنُوا) عَلَى مَا أَخْلَفْتُمُوهُ مِنْ أمرِ الدُّنيَا مِنْ: ولدٍ، وأهلٍ، ومالٍ، (وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ)؛ فيبشرونَـهمْ بِذَهَابِ الشَّرِّ، وحصولِ الخيرِ. لقدْ أَدَّتْ هذِهِ النَّفْسُ المطمئنةُ- بِرحْـمَةِ أَرحمِ الراحِـمِينَ- مَا مِنْ أجلِهِ خُلِقتْ ، فيُقالُ لها عِنْدَ الاحتضارِ: (يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ * ارْجِعِي إِلَى رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً)، فانظُروا إلى هَذِهِ الروحِ المؤمنةِ كيفَ تخرجُ بيُسرٍ وسهولةٍ منَ الجسدِ الطاهِرِ؟! فَهِيَ عندمَا تُعَاينُ الملائِكَةَ تفْزَعُ وتخافُ، وَتَتَفَرَّقُ في الجسدِ، فَإِذَا تَـمَكَّنُوا مِنهَا تَعَامَلُوا مَعَهَا بِرِفْقٍ، وَاِسْتَلُّوهَا بِرفقٍ، وَلَا تَدَعُهَا الملائِكَةُ بيضُ الوُجوهِ، حِسَانُ الطَّلَعَةِ، مَعَ مَلَكِ الموتِ طَرْفَةَ عـيـنٍ؛ فيبدَأُ التَّكريمُ والتَّتويجُ، والاحْتِفَاءُ بِتِلكَ الروحِ المؤمنةِ الموحدةِ بالصعودِ بِـهَا إِلى السَّمَاءِ، وأثناءَ صعُودِهَا إِلَى السمَاواتِ يَتَسَاءَلُ الملائِكَةُ الكِرَامُ: مَنْ هَذِهِ الروحُ الطيبةُ التي تَـحمِلونَـهَا؟ فَيَأْتِي الْـجَوَابُ بِأَنَّـهَا رُوحُ فُلَانٍ ابنِ فلانٍ بِأَحسنِ اِسْمٍ يُـحِبُّ سَـمَاعَهُ عِنْدَ مُنَادَاتِهِ في حَيَاتِهِ، مُلَاطَفَةً لَهُ وَتَطْمِينًا. ثُـمَّ تَصِلُ الرُّوحُ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا، فَيَطْلُبُ الملائِكَةُ الذينَ يَـحْمِلُونَ هَذِهِ الرُّوحَ الزكيةَ الموحِّدةَ الطيبةَ، مِنْ خَزَنَتِهَا أَنْ يفتَحُوا لَـهُمْ أَبْوَابَ السَّمَاءِ، فَتُفْتَحُ لَـهَا أبْوَابُ السَّمَاءِ، (فَيُقَالُ: مَرْحَبًا بِالنَّفْسِ الطَّيِّبَةِ كَانَتْ فِي الْجَسَدِ الطَّيِّبِ، ادْخُلِي حَمِيدَةً، وَأَبْشِرِي بِرَوْحٍ وَرَيْحَانٍ، وَرَبٍّ غَيْرِ غَضْبَانَ)، ثُـمَّ تَصْعَدُ إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، وَقَدْ صَحِبَهَا فِي صُعُودِهَا خِيَارُ مَنْ فِي السَّمَاءِ الأُولَى مِنْ أَجْلِ مَزِيدٍ مِنَ الاِحْتِفَاءِ بِـهَا وَالفرَحِ؛ حَتَّـى يَصِلُوا بِـهَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، فَيَنْضَمُّ خِيَارُهَا وَمُقَرَّبُوهَا مَعَ خِيارِ وَمُقَرَّبِي السَّمَاءِ الأُولَى بِالصُّعُودِ بِـهَا إِلَى السَّمَاءِ الثَّانِيَةِ، لِمَزِيدٍ مِنَ الاِحْتِفَاءِ وَالْفَرَحِ، بِتِلْكَ الرُّوحِ الْمُؤْمِنَةِ الْـمَسْرُورَةِ الْـمَذْهُولَةِ فَهِيَ فِي عَالَـمٍ آخَرَ لَـمْ تَتَخَيَّلْهُ، وَإِنْ كَانَتْ آمَنَتْ بِهِ وَصَدَّقَتْ. وَيَنْضَمُّ مِنْ كُلِّ سَـمَاءٍ إِلَى هذَا الوفْدِ الكرِيمِ الْمُصَاحِبِ لِـهَذِهِ الرُّوحِ الْمُؤْمِنَةِ خِيَارُهَا وَمُقَرَّبُوهَا؛ حَتَّـى يَنْتَهُوا بِـهَا إِلَى السَّمَاءِ السَّابِعَةِ، فَيَأْتِي الَأمْرُ الإِلَـهِيُّ النَّافِذُ، وَالتَّوْجِيهُ الرَّبَّانِيُّ الْكَرِيـمُ مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ: (اكْتُبُوا كِتَابَ عَبْدِي فِي عِلِّيِّينَ وَأَعِيدُوهُ إِلَى الْأَرْضِ)؛ فَقَدْ تَلَقَّتْ مِنْ رَبِّـهَا الاِطْمِئْنَانَ. وَلَكِنَّ لابُدَّ لِـهَذِهِ الرُّوحِ أَنْ تَعُودَ إِلَى الأَرْضِ؛ حَتَّـى تَلْتَحِقَ بالجسدِ فِي القبرِ؛ لِتُكْمِلَ مِشوَارِ العالَـمِ الأُخْرَوِيِّ؛ فَلَمْ يَأْتِ بَعْدُ مَوْعِدُ البَعْثِ وَالْـحِسَابِ، وَدُخُولِ الْـجِنَانِ. لَقَدْ خَرَجَتْ هَذِهِ الرُّوحُ الطيبةُ مِنْ كَبَدِ الدُّنْيَا وَعَنَائِهَا، عَمِلَتْ قَلِيلًا وَحَصَّلَتْ بِرَحْـمَةِ اللهِ كَثِيرًا.

قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: " فَتُعَادُ رُوحُهُ فِي جَسَدِهِ، فَيَأْتِيهِ مَلَكَانِ، فَيُجْلِسَانِهِ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَنْ رَبُّكَ؟ فَيَقُولُ: رَبِّيَ اللهُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا دِينُكَ؟ فَيَقُولُ: دِينِيَ الْإِسْلَامُ، فَيَقُولَانِ لَهُ: مَا هَذَا الرَّجُلُ الَّذِي بُعِثَ فِيكُمْ؟ فَيَقُولُ: هُوَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولَانِ لَهُ: وَمَا عِلْمُكَ؟ فَيَقُولُ: قَرَأْتُ كِتَابَ اللهِ، فَآمَنْتُ بِهِ وَصَدَّقْتُ، فَيُنَادِي مُنَادٍ فِي السَّمَاءِ: أَنْ صَدَقَ عَبْدِي، فَأَفْرِشُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَأَلْبِسُوهُ مِنَ الْجَنَّةِ، وَافْتَحُوا لَهُ بَابًا إِلَى الْجَنَّةِ، فَيَأْتِيهِ مِنْ رَوْحِهَا، وَطِيبِهَا، وَيُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ مَدَّ بَصَرِهِ، وَيَأْتِيهِ رَجُلٌ حَسَنُ الْوَجْهِ، حَسَنُ الثِّيَابِ، طَيِّبُ الرِّيحِ، فَيَقُولُ: أَبْشِرْ بِالَّذِي يَسُرُّكَ، هَذَا يَوْمُكَ الَّذِي كُنْتَ تُوعَدُ، فَيَقُولُ لَهُ: مَنْ أَنْتَ؟ فَوَجْهُكَ الْوَجْهُ يَجِيءُ بِالْخَيْرِ، فَيَقُولُ: أَنَا عَمَلُكَ الصَّالِحُ، فَيَقُولُ: رَبِّ أَقِمِ السَّاعَةَ حَتَّى أَرْجِعَ إِلَى أَهْلِي، وَمَالِي)، وَفِي رِوَايَةٍ: (ثُمَّ يُفْسَحُ لَهُ فِي قَبْرِهِ سَبْعُونَ ذِرَاعًا فِي سَبْعِينَ، ثُمَّ يُنَوَّرُ لَهُ فِيهِ، ثُمَّ يُقَالُ لَهُ، نَمْ، فَيَقُولُ: أَرْجِعُ إِلَى أَهْلِي فَأُخْبِرُهُمْ، فَيَقُولَانِ: نَمْ كَنَوْمَةِ العَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ، حَتَّى يَبْعَثَهُ اللَّهُ مِنْ مَضْجَعِهِ ذَلِك)، رَوَاهُ أَبُو دَاودَ وَغَيرُه بسند حَسَنٍ. وَفِي رِوَايَةٍ لابنِ حِبَّانَ بِسَنَدٍ قَوِيٍّ: (فَيُقَالُ لَهُ: نَمْ؛ فَيَنَامُ كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ الَّذِي لَا يُوقِظُهُ إِلَّا أَحَبُّ أَهْلِهِ إِلَيْهِ). وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِسَنَدٍ قَوِيٍّ: (فَيُقَالُ لَهُ: نَـمْ نَوْمَةَ عَرُوسٍ، فَيَكُونُ فِي أَحْلَى نَوْمَةٍ نَامَهَا أَحَدٌ حَتَّـى يُبْعَثَ).

جَعَلَنِـي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ المقبولِينَ، ونَفَعَنِـي وَإِيَّاكُمْ بِالقرآنِ العظيمِ.

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا....

 

الخطبة الثانية

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ تَعْظِيمًا لِشَانِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ وَخَلِيلَهُ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ ...... فَاتَّقُوا اللهَ عِبَادَ اللهِ حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى.

عِبَادَ اللهِ، وَيَـحْصُلُ لِلْمُؤْمِنِ فِي نَوْمِهِ فِي الْبَرزَخِ رَاحَةٌ وَلَذَّةٌ، وَأَلْفَاظُ الْـحَدِيثِ تَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَمِنْهَا: (نَوْمَةَ عَرُوسٍ)، (أَحْلَى نَوْمَةٍ)، (كَنَوْمَةِ الْعَرُوسِ)، واللهُ تَعَالَى هُوَ العَلِيمُ بِكَيفِيَّةِ ذَلِكَ النُّوْمِ لِلْمُؤْمِنِ فِي قَبْـرِهِ. وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ الرُّوحَ تَنْعَمُ فِي الجنَّةِ مَعَ بَقَاءِ الْـجَسَدِ فِي الأَرْضِ؛ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (" إِنَّمَا نَسَمَةُ الْمُؤْمِنِ طَائِرٌ يَعْلُقُ فِي شَجَرِ الْجَنَّةِ حَتَّى يُرْجِعَهُ اللهُ، تَبَارَكَ وَتَعَالَى إِلَى جَسَدِهِ يَوْمَ يَبْعَثُهُ " رَوَاهُ أَحْـمَدُ وَغَيِـرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَيَنَامُ فِي قَبْـرِهِ حَتَّـى يَوْمَ يُبْعَثُونَ، فَتُوقِظُهُ الصَّعْقَةُ. وَثَبَتَ بِالدَّلِيلِ أَنَّ هُنَاكَ مِنْ عُصَاةِ الْمَوَحِّدِينَ، مَنْ لَـمْ يَشَأِ اللهُ لَـهُمُ الْمَعْفِرَةَ اِبْتِدَاءً، وَكَتَبَ عَلَيْهِمُ النَّارَ، كَمَانِعِي الزَّكَاةَ، وَالنَّمَّامِيـنَ، وَمَنْ لَا يَتَنَزَّهُونَ عَنِ الْبَوْلِ؛ فَهَؤُلَاءِ قَدِ يُعَذَّبُونَ فِي قُبُورِهِمُ ثُـمَّ يَنْتَهِي عَذَابُـهُمْ، وَإِمَّا أَنْ يَبْقَوا مُعَذَّبِينَ حتَّـى يُـمَحَّصُوا فِي النَّارِ. وَالأَعْمَالُ الصَّالِـحَةُ الَّتِـي تَلْحَقُ الْمُذْنِبَ فِي قَبْـرِهِ تَنْفُعُهُ، وَتُـخَفِّفُ عَنْهُ، كَدُعَاءِ الْوَلَدِ، وَالْعِلْمِ النَّافِعِ، وَالصَّدَقَةِ الْـجَارِيَةِ، وَمُسَامَـحَةِ أَهْلِ الْـحُقُوقِ لَهُ. بَلْ قَدْ تَزِيدُ عَلَى تَـخْـفِيفِ الْعَذَابِ رِفْعَةً وَعُلُوًّا فِي الْـجَنَّةِ. وَكَذَلِكَ تَنْفَعُ هَذِهِ الأَعْمَالُ الْمُنَعَّمَ فِي قَبْـرِهِ بِـمَزِيدٍ مِنَ النَّعِيمِ، غَفَرَ اللهُ لَنَا وَلَكْمُ أَجْـمَعِينَ.

اللَّهُمَّ ارْزُقْنَا حُبَّكَ، وَحُبَّ مَنْ يُـحِبُّكَ، وَحُبَّ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى وَجْهِكَ. الَّلهُمَّ رُدَّنَا إِلَيْكَ رَدًّا جَمِيلًا، وَلَا تَـجْعَلْ فِينَا وَلَا بَيْنَنَا شَقِيًّا وَلَا مَـحْرُومًا، الَّلهُمَّ اِجْعَلْنَا هُدَاةً مَهْدِيينَ غَيْـرَ ضَالِّينَ وَلَا مُضِلِّينَ، اللَّهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ وَالْـمُسْلِمِينَ مِنَ الفِتَنِ وَالمِحَنِ، مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، اللَّهُمَّ اِحْفَظْ لِبِلَادِنَا أَمْنَهَا وَإِيمَانَهَا وَاِسْتِقْرَارَهَا، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وَاِجْعَلْهُ هَادِيًا مَـهْدِيًّــا، وَأَصْلِحْ بِهِ الْبِلَادَ وَالْعِبَادَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَاِقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ الْـمُسْلِمِينَ فِي كُلِّ مَكَانٍ، وَوَلِّ عَلَيْهِمْ خِيَارَهُمْ وَاِكْفِهِمْ شَرَّ شِرَارِهِمْ، اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي إِلَيْهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ. اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرُوا مَعَنَا، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ، رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ. وَصَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ عَلَى نَبِيِّنَا مُحَمَّدٍ، وَآلِهِ وَأَصْحَابِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا.