|

28 ربيع الآخر 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الْخُطْبَةُ الأُولَى

إنَّ الحمدُ للهِ،نَحْمَدُهُ، ونستعينُهُ، ونستغفِرُهُ، ونعوذُ باللهِ مِنْ شرورِ أنفسِنَا وسيئاتِ أعمالِنَا،مَنْ يهدِ اللهُ فلاَ مُضِلَّ لَهُ،وَمَنْ يُضْلِلْ فَلاَ هَادِيَ لَهُ،وأشهدُ أنْ لا إلهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وأشهدُ أنَّ مُحَمَّدًا عبدُهُ ورسُولُهُ،وَخَلِيلُهُ – صَلَّى اللهُ عليهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ،وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ،وَسَلَّمَ تَسْلِيمًا كثيرًا . أمَّا بَعْدُ … فَاتَّقُوا اللهَ- عِبَادَ اللهِ- حقَّ التَّقْوَى؛واعلَمُوا أنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى. وَاِعْلَمُوا بِأَنَّ خَيْرَ الْهَدْيِّ هَدْيُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ،وَأَنَّ شَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا ، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ،وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ .

عِبَاْدَ اللهِ، حَدِيْثُنَاْ الْيَوْمَ عَمَّنْ جَعَلَ اللهُ لَهُمْ مِنَ الْحُقُوقِ الْعَظِيْمَةِ مَا لَيْسَتْ لِغَيْرِهِمُ، وَأَمَرَ بِبِرِّهِمُ والْإِحْسَانِ إِلِيْهِمُ، وَشَدَّدَ الْعِقَابَ عَلَىْ مَنْ عَقَّهُمْ، وَتَوَعَّدَ بِالْعَذَابِ الأَلِيْمِ مَنْ أَسَاءَ إِلِيْهِمْ. إَنَّ مَنْ تَدَبَّرَ الْقُرْآنَ؛ وَجَدَ الْعِبَارَاتِ الْنَّدِيَّةَ، وَالْحَلَاْوَةَ وَالطَّلَاْوَةَ؛ لِتَوْجِيْهِ الْأَوْلَاْدِ لِلْبِرِّ بِالْوَاْلِدَيْنِ،وَالْإِحْسَانِ إِلَيْهِمَا، قَالَ تَعَالَى: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) ؟!

عِبَادَ اللهِ، تَذَكَّرُوْا أَنَّ وَاْلِدِيكُمْ ضَحَّوْا بِكُلِّ شَيٍّء مِنْ أَجْلِكُمْ؛ لَمْ يُؤْثِرُوْا عَلَىْ أَنْفُسِهِمْ أَحَدًا كَإِيْثَاْرِهِمْ لَكُمْ عَلَىْ أَنْفُسِهِمْ، سَهِرُوْا لِتَرْتَاْحُوْا، وَتَعِبُوْا وَكَدُّوُا لِتَهْنَؤُوْا، مِنْ أَجْلِكُمْ قَدَّمُوْا رَبِيْعَ الْعُمُرِ، وَزَهْرَةَ الْحَيَاةِ، مَا حَثَّهُمُ الْقُرْآنُ عَلَىْ الْرِّفْقِ بِكُمْ، كَمَا حَثَّكُمْ عَلَىْ الْرِّفْقِ بِهِمْ، وَمَعَ ذَلِكَ رَفَقُوا بِكُمْ، وَمَا أَوْجَبَ اللهُ عَلَيْهِمْ لَكُمْ حُقُوْقًا، بِقَدْرِ مَا أَوْجَبَ لَهُمْ عَلَيْكُمْ حُقُوْقًا. تَأَمَّلُوْا قَوْلَ الْحَقِّ تَبَارَكَ وَتَعَالَى: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا) . لَقَدْ قَضَىْ اللهُ عَلَيْكُمْ أَيُّهَا الْأَوْلَاْدُ وَحَكَمَ -وَأَمْرُهُ نَافِذٌ، لَاْ مَجَاْلَ فِيْهِ لِلْتَّسْوِيْفِ وَالْتَّرَاْخِيْ وَالْتَّفْرِيْطِ وَالْتَّقْصِيْرِ – أَنْ تَبَرُّوا آبَاءَكُمْ، وَأَنْ تُحْسِنُوْا إِلَيْهِمْ، لَقَدْ أَمَرَكُمُ اللهُ بِالْرَّحْمَةِ بِهِمُ، وَبِالْدُّعَاْءِ لَهُمُ ؛ فَعَجَبًا وَاللهِ! يَأْمُرُ اللهُ بِالْرِّفْقِ ، وَيَلْجَأُ بَعْضُ الْأَبْنَاءِ إِلَىْ الْعُنْفِ! وَيَأْمُرُ اللهُ بالْقَوْلِ الْكَرِيْمِ ؛ فَلَا يَتَلَفَّظُ الْبَعْضُ عَلَيْهِمَاْ إِلَّا بِالْقَوْلِ الْقَبِيْحِ! وَيَنْهَىْ اللهُ عَنْ أَدْنَىْ دَرَجَاْتِ الْتَّضَجُّرِ (الْأُفِّ)، وَيَلْجَأُ الْبَعْضُ لِلْعُنْفِ، وَالْضَّرْبِ، وَالْقَتْلِ! أَيُّ قُلُوْبٍ قَاْسِيَةٍ حَوَتْهَا صُدُوْرُ بَعْضِ الْأَبْنَاءِ؟! وَأَيُّ عُقُوْقٍ وَصَلُوْا إِلَيْهِ؟! أَمَرَ اللهُ بِالْذُّلِّ لِلْآبَاْءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ فَتَعَاْمَلُوْا بِالْكِبْرِيَاْءِ وَالْعِزَّةِ، وَأَمَرَ اللهُ بِالْرَّحْمَةِ؛ فَمَاْلُوْا إِلِىْ الْقَسْوَةِ. وَفِي رُدْهَاتِ الْمَحَاكِمِ نَجِدُ الْأَخْبَارَ الْمُؤْلِمَةَ، وَالْحَوَادِثَ المُخْزِيَةَ الْمُفْجِعَةَ.

مَعَاشِرَ الْأَبْنَاْءِ، لَقَدْ أَمَرَ اللهُ بِالْتَّلَطُّفِ مَعَ الْآبَاْءِ وَالْأُمَّهَاتِ، وَاِنْتِقَاءِ أَطَاْيِبِ الْكَلِمَاْتِ؛ كَمَاْ تُنْتَقَىْ أَطَاْيِبُ الْثَّمَرَاتِ، فَأَمَاْمَ الْآبَاْءِ: لَاْ عِزْةَ؛ بَلْ ذِلَّةْ، وَلَا قَسْوَةَ؛ بَلْ رَحْمَةْ.

وَقُولٌ كَرِيمٌ، حَسَنٌ، جَمِيْلٌ؛ فَلَا تُسَمِّهِمَا، وَلَا تُكَنِّهِمَا، بَلْ قُلْ: يَا أَبَتَاْهُ يَاْ أَمُّاْهُ . وَاِحْذَرْ مِنَ التَّأَفُّفِ بِكَافَّةِ صُوَرِهِ؛ وَمِنْهَا مَا ذَكَرَهُ الْإِمَامُ الْبَغَوِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ- فِي بَيَانِ مَعْنَى الْآيَةِ، عَنْ مُجَاهِدٍ-رَحِمَهُ اللهُ-: (إِذَا بَلَغَا عِنْدَكَ مِنَ الْكِبَرِ مَاْ يَبُوْلَانِ؛ فَلَا تَتَقَذَّرْهُمَا، وَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ؛ حِيْنَ تُمِيْطُ عَنْهُمَا الْخَلَاءَ وَالْبَوْلَ؛ كَمَا كَانَا يُمِيْطَاْنِهِ عَنْكَ صَغِيْرًا).

عِبَادَ اللهِ، اِنْظُرُوْا إِلَى عِظَمِ وَصَايَا الْقُرْآنِ ، قَاْلَ تَعَالَى : (وَوَصَّيْنَا الإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حُسْنًا) وَقَاْلَ (وَوَصَّيْنَا الإنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ إِحْسَانًا حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهًا وَوَضَعَتْهُ كُرْهًا وَحَمْلُهُ وَفِصَالُهُ ثَلاثُونَ شَهْرًا) وَقَاْلَ : (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ) فَيَاْ لِعِظَمِ هَذِهِ الَوَصَاْيَا؛ الَّتِيْ تَكَرَّرَتْ حَتَّى يَعْلَمَ الْنَّاْسُ أَهَمِّيَتَهَا! قَالَ عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ، رَضِيَ اللهُ عَنْهُ،: سَأَلْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: أَيُّ الْعَمَلِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: «الصَّلَاةُ لِوَقْتِهَا» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «بِرُّ الْوَالِدَيْنِ» قَالَ: قُلْتُ: ثُمَّ أَيٌّ؟ قَالَ: «الْجِهَادُ فِي سَبِيلِ اللهِ». أَخْرَجَهُ الْبُخَاْرِيُّ وَمُسْلِمٌ. أَيُّ تَعْظِيْمٍ لِقَدْرِ الْآبَاْءِ كَهَذَاْ الْتَّعْظِيْمِ ؟! فَجَعَلَ حُقُوْقَهُمْ بَعْدَ حَقِّ اللهِ. وَقَدَّمَ بِرَّهُمَا عَلَىْ ذُرْوَةِ سَنَاْمِ الْإِسْلَاْمِ؛ الْجِّهَاْدِ فَيْ سَبِيْلِ اللهِ. وَمِمَّا يُؤَكِّدُ ذَلِكَ مَاْ رَوَاْهُ عَبْدُ اللهِ بْنُ عَمْرٍو، حِيْنَ قَالَ: جَاءَ رَجُلٌ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، يَسْتَأْذِنُهُ فِي الْجِهَادِ فَقَالَ: «أَحَيٌّ وَالِدَاكَ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَفِيهِمَا فَجَاهِدْ». رَوَاْهُ الْبُخَاْرِيُّ وَمُسْلِمْ؛ فَجَعَلَ بَذْلَ الْجُهْدَ لإِرْضَائِهِمَا فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ اللهِ؛ أَعْظَمِ صُوَرِ الْجِهَادِ؛ فَيَا لِعِظَمِ الْإِسْلَامِ!

يَاْ مَعْشَرَ الْشَّبَاْبِ، لَقَدْ أَحْزَنَ بَعْضُكُمْ وَاْلِدَيْهِ، وَكَدَّرَ عَلَيْهِمَا صَفْوَ الْحَيَاةِ، وَجَلَبَ عَلَيْهِمَاْ الْشَّقَاْءَ وَالْتَّعَبَ؛ بِالذِّهَابِ إِلَى مَوَاْطِنِ الْفِتَنِ، وَاِسْمَعُوْا إِلَى َهَذَا الْحَدِيْثِ الْعَظِيْمِ، الَّذِيْ رَوَاْهُ مُسْلِمٌ، حِيْنَ قَاْلَ:” أَقْبَلَ رَجُلٌ إِلَى نَبِيِّ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: أُبَايِعُكَ عَلَى الْهِجْرَةِ وَالْجِهَادِ، أَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ، قَالَ: «فَهَلْ مِنْ وَالِدَيْكَ أَحَدٌ حَيٌّ؟» قَالَ: نَعَمْ، بَلْ كِلَاهُمَا، قَالَ: «فَتَبْتَغِي الْأَجْرَ مِنَ اللهِ؟» قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: «فَارْجِعْ إِلَى وَالِدَيْكَ فَأَحْسِنْ صُحْبَتَهُمَا». فَهَلْ بَعْدَ هَذَا الْفَضْلِ مِنْ فَضْلٍ؟! وَهَلْ بَعْدَ هَذِهِ النِّعْمَةِ مِنْ نِعْمَةٍ؟!

عِبَادَ اللهِ، اِنْظُرُوْا إِلَى رَجُلٍ أَنْزَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ بِسَبَبِ بِرِّهِ؛ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” نِمْتُ، فَرَأَيْتُنِي فِي الْجَنَّةِ، فَسَمِعْتُ صَوْتَ قَارِئٍ يَقْرَأُ، فَقُلْتُ: مَنْ هَذَا؟ فَقَالُوا: هَذَا حَارِثَةُ بْنُ النُّعْمَانِ ” فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” كَذَلِكَ الْبِرُّ، كَذَلِكَ الْبِرُّ “، وَكَانَ أَبَرَّ النَّاسِ بِأُمِّهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. وَمَرَّ رَجُلٌ لَهُ حَشَمٌ خَلْقًا- أَي قَوِيُّ الْبِنْيَةْ- فَقَالَ بَعْضُ الصَّحَابَةِ: لَوْ كَانَ هَذَا فِي سَبِيلِ اللهِ؟ فَقَالَ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى أَبَوَيْنِ شَيْخَيْنِ كَبِيرَيْنِ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى صِبْيَةٍ صِغَارٍ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ، لَعَلَّهُ يَكُدُّ عَلَى نَفْسِهِ لِيُغْنِيَهَا عَنِ النَّاسِ؛ فَهُوَ فِي سَبِيلِ اللهِ ” رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ بِسَنَدٍ حَسَنٍ. فَانظُرُوا – وَفَّقَكُمُ اللهُ لِمَا يُحِبُّ وَيَرْضَى- كَيْفَ جَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، التَّعَبَ فِي الإِنْفَاقِ عَلَى الوَالِدَيْنِ فِي سَبِيلِ اللهِ ؟! وَاِعْلَمُوا – سَدَّدَكُمُ اللهُ أنَّ بِرَّ الْوَالِدَيْنِ مِنْ أَسْبَابِ طُولِ الْعُمْرِ، وَكَثْرَةِ الرِّزْقِ؛ قَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” مَنْ أَحَبَّ أَنْ يُمَدَّ لَهُ فِي عُمْرِهِ، وَأَنْ يُزَادَ لَهُ فِي رِزْقِهِ، فَلْيَبَرَّ وَالِدَيْهِ، وَلْيَصِلْ رَحِمَهُ ” رَوَاْهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ؛ بِسَنَدٍ صَحِيْحٍ. وَمِنْ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَصِلَ الْرَّجُلُ أَصْدِقَاءَهُمَا بَعْدَ مَمَاتِهِمَا، لِقَوْلِهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ أَبَرَّ الْبِرِّ صِلَةُ الْوَلَدِ أَهْلَ وُدِّ أَبِيهِ» رَوَاْهُ مُسْلِمٌ. فَتَصِلُ أَقَارِبَ، وَأَصْحَابَ، وَجِيرَانَ وَالِدِكَ؛ فَتُذَكِّرُهُمْ بِوَالِدِكَ، وَيُذَكِّرُونَكَ بِهِ؛ وَتَدْعُوا لَهُ، ويَدْعُونَ لَهُ. وَقَاْلَ رَجُلٌ لِلْنَّبِيِّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (إِنَّ أُمَّي تُوُفِّيَتْ؛ أَفَيَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَاْ؟ قَاْلَ نَعَمْ، قَاْلَ: فَإِنَّ لَيْ مَخْرَفًا- أَي: بُسْتَانًا مُثْمِرًا- فَإِنِّي أُشْهِدُكَ أَنِّي قَدْ تَصَدَّقْتُ بِهِ عَنْهَا) رَوَاهُ أَحْمَدُ، وَغَيْرُهُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ. وَمِنْ بِرِّهِمَا بَعْدَ وَفَاْتِهِمَا: أَدَاْءُ الْحُقُوْقِ عَنْهُمَا؛ قِيْلَ لِاِبِنِ طَاْوُوُسٍ فِيْ دَيْنٍ عَلَىْ أَبِيْهِ: لَوُ اِسْتَنْظَرْتَ الْغُرَمَاْءَ؟! أَيْ طَلَبْتَ مِنْهُمْ الْإِمِهَاْلَ، فَقَاْلَ: أَأَسْتَنْظِرُهُمْ وَأَبُوْ سُلَيْمَانَ عَنْ مَنْزِلِهِ مَحْبُوْسٌ ؟! فَبَاْعَ الَّذِيْ ثَمَنُهُ أَلْفٌ مِنْ مَاْلِهِ بِخَمْسِمِائَةٍ حَتَّى يُسْرِعَ فِيْ الْبِيْعِ) أَوْرَدَهُ الْبَيْهَقِيُّ فَيْ الْجَّامِعِ بِسَنَدٍ جَيِّدٍ.

وَمِنْ صُوَرِ بِرِّ الْوَالِدَيْنِ:

1- طَاْعَتُهُمَا بِالْمَعْرُوْفِ، وَالْإِحْسَاْنُ إِلَيْهِمَا، وَخَفْضُ الْجَّنَاْحِ لَهُمَا.

2- الْفَرَحُ بِأَوَاْمِرِهِمَا وَمُقَاْبَلَتُهِمَا بِالْبِشْرِ وَالْتِّرْحَابِ.

3- مُبَاْدَأَتُهُمَا بِالْسَّلَاْمِ، وَتَقْبِيْلُ أَيْدِيْهِمَا وَرُؤُوْسِهِمَا؛ بِحُبٍّ، وَذُلٍّ، وَرَحْمَةٍ.

4- الْتَّوْسِعَةُ لَهُمَا فَيْ الْمَجْلِسِ، وَالْجُّلُوْسُ أَمَامَهُمَاْ بِأَدَبٍ وَاِحْتِرَاْمٍ، وَذَلْكَ بِتَعْدِيْلِ الْجِلْسَةِ، وَعَدَمِ الاِنْشِغَاْلِ عَنْهُمَا بِالْمُلْهِيَاتِ، إِلَىْ غَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا يُنَاْفِيْ كَمَالَ الْأَدَبِ مَعَهُمَا.

5- مُسَاْعَدَتُهُمَا فَيْ الْأَعْمَالِ.

6- تَلْبِيَةُ نِدَاْئِهِمَا بِسُرْعَةٍ.

7- الْبُعْدُ عَنْ إِزْعَاْجِهِمَا، وَتَجَنُّبُ الْشِّجَاْرَ، وَإِثَارَةَ الْجَدَلِ بَحَضْرِتِهِمَا، وَالْبَعْدُ عَنْ كُلِّ مَا يُنَغِّصُ عَلَيْهِمَا صَفْوَ الْحَيَاةِ، وَيُكَدِّرَ عَلَيْهِمَا الْمَعَاشَ.

8- أَنْ يَمْشِيَ أَمَاْمَهُاْ بِالَّلِيْلِ؛ لِاِسْتَكْشَافِ الطَّرِيقِ، وَخَلْفَهُمَا بِالْنَّهَارِ؛ تَأَدُّبًا مَعَهُمَا.

9- أَلَّا يَمُدَّ يَدَهُ إِلَى الْطَّعَامِ قَبْلَهُمَا.

10- إِصْلَاحُ ذَاْتِ الْبَيْنِ، إِذَاْ فَسَدَتْ بِيْنَ الْوَاْلِدَيْنِ؛ إِذَ أَمْكَنَهُ ذَلِكَ؛ مَعَ عَدَمِ الْاِنْحِيَازِ لِطَرَفٍ دُونَ الْآخَرِ.

11- الْاِسْتِئْذَاْنُ: عِنْد َالدُّخُوْلِ عَلَيْهِمَا، أَوْ عِنْدَ الْخُرُوْجِ مِنَ الْمَنْزِلِ.

12- تَذْكِيْرُهُمَا بِاللهِ، وَتَعْلِيْمُهُمَا مَا يَجْهَلَاْنِهِ، وَأَمْرُهُمَا بِالْمَعْرُوْفِ، وَنَهْيُهُمَا عَنْ الْمُنْكَرِ مَعْ مُرَاعَاةِ الْلُّطْفِ، وَالْإِشْفَاْقِ، وَالْصَّبْرِ.

13- الْمُحَاْفَظَةُ عَلَىْ سُمْعَتِهِمَا؛ وَذَلِكَ: بَحُسْن ِالْسِّيْرَةِ، وَالْاِسْتِقَاْمَةِ، وَالْبُعْدِ عَنْ مَوَاْطِنِ الْرَّيِبِ، وَصُحْبَةِ الْسُّوْءِ.

14- تَجَنُّبُ لَوْمِهِمَا، وَتَقْرِيْعِهِمَا، وَتَعْنِيفِهِمَا.

15- الْعَمَلُ عَلَىْ مَاْ يَسُرَّهُمَاْ؛ وَإِنْ لَمْ يَأْمُرَاْ بِهِ.

16- كَثْرَةُ الْدُّعَاءِ وَالِاسْتِغْفَارِ لَهُمَا فَيْ الْحَيَاةِ، وَبَعْدَ الْمَمَاْتِ؛ اِسْتِجَابَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى:(وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا).

17- كَثْرِةُ زِيَاْرَتِهِمَا؛ إِذَاْ كَاْنَاْ يَسْكُنَاْنِ بَعِيْدًا عَنْهُ، وَعَدَمُ الْتَّأْخُّرِ فَيْ الْسُّؤَاْلِ عَنْهُمَا.

عِبَاْدَ اللهِ، إِنَّ الْبِرَّ يَكُوْنُ بِجَمِيْعِ أَنْوَاْعِ الْإِحْسَاْنِ، وَالْصِّلَةِ، وَالْمَحَبَّةِ، وَالْكَلَاِم الَّلِيِّنِ، وَتَجَنُّبِ الْكَلَامِ الْغَلِيْظِ، وَرَفْعِ الْصَّوْتِ، وَيُنَاْدِيْهِمَا بِأَحَبِّ الْأَلْفَاْظِ، كَيَاْ أُمِّيْ، وَ يَا َأَبِيْ، وَيَقُوْلُ لَهُمَاْ مَاْ يَنْفَعُهُمَاْ، وَيُعَلِّمُهُمَاْ دِيْنَهُمَاْ، وَيُعَاْشِرُهُمَاْ بِالْمَعْرُوْفِ، وَيُقَدِّمُهُمَاْ عَلَىْ نَفْسِهِ، وَلَا يُؤْثِرْ عَلَيْهِمَا أَصْحَابَهُ، أَوْ رَحَلَاتِ الْاِسْتِجْمَامِ.

وَاُنْظُرُوا إِلَى صُورَةٍ أُخْرَى مِنْ صُورِ الْبِرِّ؛ أَوْرَدَهَا الْبُخَاْرِيُّ فِيْ الْأَدَبِ الْمُفْرَدِ: (عَنْ أَبِى بُرْدَةَ؛ أَنَّهُ شَهِدَ ابْنَ عُمَرَ، وَرَجُلٌ يَمَانِيٌّ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ، حَمَلَ أُمَّهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ، يَقُولُ:

إِنِّي لَهَا بَعِيرُهَا الْمُذَلَّلُ … إِنْ أُذْعِرَتْ رِكَابُهَا لَمْ أُذْعَرِ.

ثُمَّ قَالَ: يَا ابْنَ عُمَرَ، أَتُرَانِي جَزَيْتُهَا؟ قَالَ: لَا، وَلَا بِزَفْرَةٍ وَاحِدَةٍ) صَحَّحَهُ الْأَلْبَانِيُّ فِي صَحِيحِ الْأَدَبِ الْـمُفْرَدِ. بَلْ أَمَرَ اللهُ بِبِرِّ الآبَاْءِ مِنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَالْكَاْفِرِيْنَ؛ فَعَنْ أَسْمَاءَ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَتْ: (قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ مُشْرِكَةٌ؛ فَاسْتَفْتَيْتُ رَسُولَ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ، قَدِمَتْ عَلَيَّ أُمِّي، وَهِيَ رَاغِبَةٌ، أَفَأَصِلُ أُمِّي؟ قَالَ: «نَعَمْ، صِلِي أُمَّكِ». رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اللهُ أَكْبَرُ! مَا أَعْظَمَ هَذَا الدِّينَ! يَأْمُرُ بِالْبِرِّ بِالآبَاءِ وَالْأُمَّهَاتِ؛ سَوَاءَ أَكَانُوا مِنَ الْمُـؤْمِنِينَ أَوْ الْكُفَّارِ؛ فِي غَيْرِ مَعْصِيَةِ الرَّحْمَنِ.

وَأَقُولُ قَوْلِي هَذَا، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ..

 

الْخُطْبَةُ الْثَّاْنِيَةُ

الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، وَالشُّكْرُ لَهُ عَلَى عِظَمِ نِعَمِهِ وَاِمْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ، وَحْدَهُ لَا شريكَ لَهُ ،تَعْظِيمًا لِشَأْنِهِ، وَأَشَهَدُ أَنَّ مُحَمَّدَاً عَبْدَهُ وَرَسُولُهُ، وَخَلِيلَهُ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ، وَمَنْ تَبِعَهُمْ بِإِحْسَانٍ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ، وَسَلَّمَ تَسْلِيمَاً كَثِيرَاً . أمَّا بَعْدُ …… فَاِتَّقُوا اللهَ – عِبَادَ اللهِ- حَقَّ التَّقْوَى، وَاِسْتَمْسِكُوا مِنَ الْإِسْلَامِ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى، وَاِعْلَمُوا أَنَّ أَجْسَادَكُمْ عَلَى النَّارِ لَا تَقْوَى .

عِبَاْدَ اللهِ، الْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ عُقُوْقِ الْوَالِدَيْنِ؛ فَقَدْ جَاْءَ الْتَّحْذِيْرُ مِنْ عُقُوقِهِمَا، وَعُدَّ مِنْ كَبَائِرِ الذُّنُوبِ، قَالَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: «أَلَا أُنَبِّئُكُمْ بِأَكْبَرِ الْكَبَائِرِ؟» ثَلَاثًا «الْإِشْرَاكُ بِاللهِ، وَعُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ، وَشَهَادَةُ الزُّورِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمْ. بَلْ وَاِنْظُرُوْا إِلَى صُوْرَةٍ مِنْ صُوَرِ الْعُقُوْقِ، وَكَبَاْئِرِ الْذُّنُوْبِ؛ صُوْرَةٍ قَدْ لَاْ يَخْطُرُ فَيْ الْبَاْلِ أَنَّهَاْ مِنْ عُقُوْقِ الْوَالِدَيْنِ؛ وَذَلِكَ حِيْنَمَاْ يَتَعَدَّىْ بِالسَّبِّ عَلَىْ آبَاْءِ غَيْرِهِ؛ قَاْلَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ مِنْ أَكْبَرِ الكَبَائِرِ؛ أَنْ يَلْعَنَ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ» قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَكَيْفَ يَلْعَنُ الرَّجُلُ وَالِدَيْهِ؟! قَالَ: «يَسُبُّ الرَّجُلُ أَبَا الرَّجُلِ؛ فَيَسُبُّ أَبَاهُ، وَيَسُبُّ أُمَّهُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ.

عِبَادَ اللهِ، عَلَيْكُمْ أَنْ تَعْلَمُوْا أَنَّ الْنَّبِيَّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ:(رَغِمَ أَنْفُ رَجُلٍ أَدْرَكَ أَبَوِيْهِ عِنْدَ الْكِبَرِ أَحَدَهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَمْ يَدْخُلْ الْجَّنَّةُ) رَوَاْهُ مُسْلِمُ. فَمَنْ ضَيَّعَ هَذِهِ الْفُرْصَةَ الْعَظِيمَةَ الْيَسِيرَةِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ؛ فَهُوَ لِغَيْرِهَا أَضْيَعُ. وَاِحْذَرُوْا مِنْ آثَارِ الْعُقُوْقِ؛ فَدُعَاْءُ الْوَالِدُ عَلَىْ وَلَدِهِ مُسْتَجَاْبٌ، قَاْلَ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (ثَلَاْثُ دَعَوَاتٍ مُسْتَجَابَاْتٌ: دُعَاْءُ الْوَاْلِدِ عَلَىْ وَلَدِهِ، وَدَعْوَةُ الْمَظْلُوْمِ، وَدَعْوَةُ الْمُسَاْفِرِ) رَوَاهُ الْبَيْهَقِيُّ فِي شُعَبِ الْإِيمَانِ، بِسَنَدٍ حَسَنٍ.

وعَقُوْقُ الْوَاْلِدَيْنِ لَا يَقْتَصِرُ عَلَىْ مُخَاْلَفَتِهِمْ وَعَدَمِ طَاْعَتِهِمَا؛ بَلْ لَهُ صُوَرٌ كَثِيْرَةٌ؛ مِنْهَا:

1- إِبْكَاْءُ الْوَاْلِدَيْنِ، وَتَحْزِيْنَهُمَاْ: بِالْقَوْلِ أَوْ الْفِعِلِ؛ وَأَكْثَرُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ؛ مَنْ يَذْهَبُ إِلَى مَوَاطِنِ الْفِتَنِ، أَوْ يَتَعَاطَى الْمُسْكِرَاتِ، أَوْ يُهْمِلُ الصَّلَوَاتِ، أَوْ يُقَصِّرُ فِي عَمَلِهِ، أَوْ فِي دِرَاسَتِهِ.

2- نَهْرُهُمَاْ وَزَجْرُهُمَاْ، وَرَفْعُ الْصَّوْتِ عَلَيْهِمَاْ.

3- الْتَّأَفُّفُ مِنْ أَوَاْمِرِهِمَا، وَتَقْدِيمُ مَصَالِحَ الْأَصْحَابِ، وَمُجَالِسَتِهِمْ عَلَيهِمَا.

4- تَرْكُ الْإِصْغَاْءِ لِحَدِيْثِهِمَاْ؛ وَالاِنْشِغَالُ عَنْهُمَا بِقِرَاْءَةِ صَحِيفَةٍ، أَوْ كِتَاْبٍ، أَوْ مُطَاْلَعَةِ جَوَّاْلٍ عِنْدَ لِقَاْئِهِمَا؛ فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَا يَرَاهُمَا فَيْ الأُسْبُوْعِ؛ إلا نَادِرًا؟

5- ذَمُّ الْوَاْلِدَيْنِ أَمَامَ الْنَّاْسِ، وَتَشْوِيْةُ سُمْعَتِهِمَا؛ عِنْدَ حُدُوثِ خِلَافٍ مَعَهُمَا.

6- إِثَاْرَةُ الْمَشَاكِلِ أَمَامَهُمَاْ: إِمَّا مَعَ الْإِخْوَةِ، أَوْ مَعَ الْزَّوْجَةِ، أو مَعَ الْأَصْحَابِ.

7- الْمُكْثُ طَوِيْلًا خَاْرِجَ الْمَنْزِلِ؛ خَاصَّةً مَعَ حَاْجَةِ الْوَاْلِدَيْنِ إِلَيْهِ.

8- تَقْدِيْمُ طَاْعَةِ الْزَّوْجَةِ، أَوْ غَيْرِهَاْ عَلَيْهِمَا.

9- الْتَّعَدِّيْ عَلِيْهِمَا بِعُنْفِ الأَقْوَالِ أَوِ الأَفْعَاْلِ.

10- إِيْدَاعُهُمَا دُوْرَ الْعَجَزَةِ؛ تَخَلُّصًا مِنْ مَتَاعِبِ خِدْمَتِهِمَا؛ وَهُنَاكَ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ؛ تَلْبِيَةً لِرَغْبَةِ زَوْجَتِهِ؛ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ!

11- تَمَنِّي مَوْتِهِمَا؛ لِيُرِيْحَ نَفْسَهُ مِنْ عَنَاءِ خِدْمَتِهِمَاْ؛ وَهَذَا – وَرَبِيِّ- مِنَ الْمَصَائِبِ الْعِظَامِ.

12- الْبُخْلُ عَلَيْهِمَا، وَالْمِنَّةُ، وَتَعْدَاْدُ الْأَيَاْدِي عَلَيْهِمَا؛ مَعَ أَنَّ إِنْفَاقَهُ عَلَيْهِمَا وَاجِبٌ، يَشْرُفُ بِهِ الْعُقَلَاءُ، وَيَفْرَحُوا؛ قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِي مَالًا وَوَلَدًا، وَإِنَّ أَبِي يُرِيدُ أَنْ يَجْتَاحَ مَالِي! فَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: (أَنْتَ وَمَالُكَ لِأَبِيكَ).رَوَاهُ اِبْنُ مَاجَه، وَغَيْرُهُ؛ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ، وَمَعْنَى: يَجْتَاحُ مَالِي: يَسْتَأْصِلُهُ، وَيَأْتِي عَلَيْهِ أَخْذاً وَإِنْفَاقًا.

13- كَثْرَةُ الْشَّكْوَى وَالْأَنِيْنُ أَمَاهُمَا.

14- عَدَمُ الْسَّلَامِ عَلَيْهِمَاْ عِنْدَ الْدُّخُوْلِ عَلَيْهِمَاْ؛ بَحُجَّةِ أَنَّهُ يَرَاهُمَا يَوْمِيًّا، وَلَا َحَاْجَةَ لِتِكْرَاْرِ الْسَّلَامِ؛ وَهَذَا يَجْلِبُ الْحُزْنَ لَهُمَا.

عِبَاْدَ اللهْ، لَقَدْ جَعَلَ الْنَّبِيُّ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، عُقُوْقُ الْوَالْدِيَنِ سَبَبًا لِلْحِرْمَاْنِ مِنْ دُخُوْلِ الْجَّنَّةِ؛ فَقَالَ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: ” لَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ عَاقٌّ” رَوَاهُ أَحْمَدُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ؛ فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْعُقُوقِ؛ فَلَقَدِ اِنْتَشَرَتْ شَكَاوَى الْعُقُوقِ مِنَ الآبَاءِ وَالأُمِّهَاتِ؛ وَلَا يُمْكِنُ لأَحَدِ الْوَالِدَيْنِ أَنْ يَسْلُكَ هَذَا الْمَسْلَكِ إِلَّا بَعْدَ أَنْ أُغْلِقَتْ أَمَامَهُ كُلُّ الْأَبْوَابِ؛ فَلَجَأَ إِلَى الْمَحَاكِمِ؛ لِتُنْصِفَهُ، وَلِيُؤَدِّبَ وَلَدَهُ . وَلَو لَمِ تَنْتَشِرْ هَذِهِ الْأَخْبَارِ؛ لَمَا صَدَّقْنَا أَنَّ عُقٌوقَ بَعْضِ الأَبْنَاءِ قَدْ يَصِلُ لِهَذِهِ الدَّرَجَةِ . فَالْحَذَرَ الْحَذَرَ مِنَ الْوُقُوعِ فِي هَذِهِ الْكَبِيرَةِ؛ بِأَي صُورَةٍ مِنْ صُورِ الْعُقُوقِ؛ فَإنَّ الْعَاقَّ تُعَجَّلُ لَهُ الْعُقُوبَةُ فِي الدُّنْيَا؛ قَالَ رَسُولُ اللهِ، صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ،: (بَابَانِ مُعَجَّلَانِ عُقُوبَتُهُمَا فِي الدُّنْيَا: الْبَغْيُ ،وَالْعُقُوقُ)، رَوَاهُ الْحَاكِمُ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ.

جَعَلَنِي اللهُ وَإِيَّاكُمْ مِنَ الْبَارِّينَ بِوَالِدِيهِمْ.

الَّلهُمَّ اِحْمِ بِلَادَنَا وَسَائِرَ بِلَادِ الإِسْلَامِ مِنَ الفِتَنِ,وَالمِحَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَن، الَّلهُمَّ وَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا، لِمَا تُحِبُ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِ لِلْبِرِّ وَالتَّقْوَى، الَّلهُمَّ اجْعَلْهُ سِلْمًا لِأْوْلِيَائِكَ، حَرْباً عَلَى أَعْدَائِكَ، الَّلهُم ارْفَعْ رَايَةَ السُّنَّةِ، وَأَقْمَعْ رَايَةَ البِدْعَةِ، الَّلهُمَّ احْقِنْ دِمَاءَ أَهْلِ الإِسْلَامِ فِي كُلِّ مَكَانٍ، «اللهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا،وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا،وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَاجْعَلِ الْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ»( ). اللهُمَّ أَكْثِرْ أَمْوَالَ مَنْ حَضَرَ، وَأَوْلَادَهُمْ، وَأَطِلْ عَلَى الْخَيْرِ أَعْمَارَهُمْ، وَأَدْخِلْهُمُ الْجَنَّةَ. سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ العزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ، وَسَلَامٌ عَلَى المُرْسَلِينَ، وَالحَمْدُ للهِ رَبِّ العَالَمِينَ.

وَقُومُوا إِلَى صَلَاتِكمْ يَرْحَمْكُمُ اللهُ.