انتشر في الأيام الماضية،مشهد تمثيلي، اجتهد فيه أصحابه اجتهادا غير موفقا،حيث أظهروا فيه أن طريقة الأب في إيقاظ أولاده للصلاة ،تعتبر:
طريقة منفرة، ولا تحببهم فيها، وبأنها طريقة خاطئة، ونحو ذلك . وكان نتيجة ذلك:
وهي : الإغراء المادي، حيث أخبرهم والدهم بأنه لن يوقظهم بعد اليوم للصلاة ، ولكن من يصلي فسوف يعطيه مكافأة مالية، قدرها: ثلاثة الأف ريال شهريا ؟! ابحيث يجتهد كل واحد من الأبناء في إيقاظ نفسه ، طمعا بالمال ،حتى لم يعد على الأب من دور في متابعة أداء الأبناء للصلاة إلا :أن يقوم بالخصم من المكفأة المقررة شهريا من المقصر، أو دفعها للمواظب ٠ واللافت ضخامة المبلغ ٣٠٠٠ الاف شهريا للواحد بمعدل ٩٠٠٠ لجميع الأبناء ، مع ان ظاهر الأب منزله في المشهد، يوحي بانهم من متوسطي الدخل أو أقل، وهنا أضع؟؟
ثم أظهروا تفاعل الأبناء مع هذا القرار، وارتياحهم له .
ولم أجد فيما ظهر لي في هذا المشهد أي قسوة من الأب في طريقة إيقاظه لهم للصلاة، ، حتى ينفروا من منهج النبوة في الإيقاظ للصلاة٠
فأسلوبه في إيقاظهم للصلاة كان طيبًا ولينًا٠
ونضحه الماء كان مع ابن واحد فقط لسببين كما ظهر في المشهد وهما:
صعوبة إيقاظه٠
سوء أدبه مع والده؛ حيث أمر والده بالخروج من الغرفة وإغلاق النور،بأسلوب لايليق مع ألاب٠ ومع ذلك فلم يفعل الأب معه إلا نضح قليل من الماء، كمنهج مشروع في الإيقاظ، بل وحث عليه الشارع الحكيم .
جعلوا جميع الأبناء يغتابون الأب، ويبينون أن طريقته في الإيقاظ كرهتهم للصلاة .وفي هذا المنهج البديل الذي اقترحوه مثالب عدة :
١- مخالفة مافي المشهدُ للشرعَ العظيم ،الذي حث على الأمر بالصلاة، حيث جاء الحث على أمر الأهل بالصلاة في كتاب الله، قال تعالى :
" وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى " [طـه:132]، وهم في هذا المشهد اختاروا عدم الأمر، بل وعدوه خطأ ،واستبدلوه بالدفع المادي، فهل منهجهم سليم ؟ لا وربي، بل منهجهم باطل ، فخير الهدي هدي محمد ﷺ،وأمر الأهل بالصلاة أمر من الله، والاستجابة من الأهل تكون - أحيانا - في أول الأمر ضعيفة؛ لذلك قال تعالى :
" وأمر أهلك بالصلاة واصطبر عليها "
ولم يقل : (واصبر) لأن الاصطبار غاية جهد الصابر، وفي المشهد يتراجع الأب من الأمر إلى الترك . استجابة لرغبات الأبناء٠
٢- أثنى الله عز وجل،على إسماعيل ﷺ بقوله تعالى :
" وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ وَكَانَ عِندَ رَبِّهِ مَرْضِيًّا"، [مريم:55] فمن أسباب رضا الله عز وجل عنه،أمره لأهله بالصلاة، وهم جعلوا أمر منهج غير سليم ، بل وجعلوا دور الأب متعلقا فقط :بدفع نقد أو حسمه .
٣- لقد جاء الأمر صراحة من رسول الله ﷺ بالإيقاظ لصلاة الليل، والفرض كما هو معلوم في علم الأصول أولى، فعنْ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها قَالَتْ : اسْتَيْقَظَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ لَيْلَةٍ فَقَالَ : " سُبْحَانَ اللَّهِ ، مَاذَا أُنْزِلَ اللَّيْلَةَ مِنَ الْفِتَنِ، وَمَاذَا فُتِحَ مِنَ الْخَزَائِنِ، أَيْقِظُوا صَوَاحِبَاتِ الْحُجَرِ، فَرُبَّ كَاسِيَةٍ فِي الدُّنْيَا عَارِيَةٍ فِي الْآخِرَةِ " .
٤- بل أتى الحث صراحة على نضح الماء في وجه النائم عن صلاة النفل، فكيف بالفرض ؟ في الأحاديث الصحيحة،قال صلى الله عليه وسلم : " رَحِمَ اللَّهُ رَجُلا قَامَ مِنَ اللَّيْلِ فَصَلَّى وَأَيْقَظَ امْرَأَتَهُ، فَإِنْ أَبَتْ نَضَحَ فِي وَجْهِهَا الْمَاءَ، رَحِمَ اللَّهُ امْرَأَةً قَامَتْ مِنَ اللَّيْلِ وَصَلَّتْ وَأَيْقَظَتْ زَوْجَهَا، فَإِنْ أَبَى نَضَحَتْ فِي وَجْهِهِ الْمَاءَ "، وَفِي رِوَايَةٍ : " إِذَا قَامَ أَحَدُكُمْ مِنَ اللَّيْلِ فَلْيُوقِظْ أَهْلَهُ، فَإِنْ لَمْ تَسْتَيْقِظْ فَلْيَنْضَحْ عَلَى وَجْهِهَا الْمَاءَ " .
٥- جعلوا الحافز المادي هو المشجع ولي معه وقفات :
أ- ربطهم عملا أخرويًا بالدنيا، وهذا أمر فيه ما فيه من سوء التربية، وتغير الغرض من العبادة ،وإن كانوا أحسنوا في أخر المشهد ؟عندما رفض أحد الأبناء أخذ المال . لكن بقية الأبناء أخذوا ٠
ب- لو فرضنا من باب التنزل صحة منهجهم ،فهناك من الأبناء من لا تغريه الأموال؛ لوجود دخل عنده، أو لتوفر جميع الاحتياجات عنده، فهل يبتكرون لنا أسلوبًا مناسبًا للتعامل معهم إذا كان الأمر بالصلاة لا ينفع من وجهة نظرهم، والمال لا يغري هذا الصنف من الأبناء ٠
ت- هناك من الآباء من لا يستطيع الدفع؛ لقلة ذات اليد، فما الأسلوب الأمثل مع أولاده من وجهة نظرهم ؟
ث- في مشهدهم هذا شجعوا الآباء على التكاسل في الإيقاظ، وبعض الآباء يريد أي مبرر يجعله يترك مجاهدة أولاده وأهله، والتوقف عن إيقاظهم للصلاة؛ لأنها تحتاج إلى :جهد عظيم. وصبر. ومجاهدة، فجعلوا هناك مبررا للآباء الكسالى وضعفاء الشخصية، وكأنهم على حق، والأب الصالح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر منفرا، سبحانك ربي هذا بهتان عظيم .
ج- جعلوا منهج النبوة منفرا، ومنهجهم محفزا، وبينهم - وربي - وبين الحق : بعد المشرقين . وخرط القتاد
ح-المشهد يحمل دعوة ضالة وهي :
أداء الأبناء الصلاة في المنزل، فكل صلاتهم التي ادوها كانت داخل المنزل، وهو فعل أعجب الأب وأقره، ومعلوم بأن الصلاة مع الجماعة واجبة .
خ- أحد الأولاد تلفظ بالنية، وهو أمر غير مشروع، بل وقوله : (نويتها لله) هذه بدعة محدثة .
د- أيضا فإن الأبناء يؤدون صلاة الفجر في المنزل متجاورين، وكلٌ يصلي لوحده، والمفترض أن تكون الصلاة في جماعة، وهذه تربية خطيرة جدًا، ودعوة ضالة ،ومخالفة للسنة . ونشر البدعة
ذ- عندما كان الغرض من الصلاة المادة تقبل الأبناء نضح الماء على وجه أخيهم . واما الاغراء برضى الله وجناته فلا يليق بل وأعتبروه أسلوب منفر٠
٠ومن باب إحسان الظن بهم أرى أن نيتهم -بحول ربي- حسنة ،ويشكرون على حرصهم على تشجيع الناس على الصلاة، ولكن حسن النية لا يصحح العمل . وهذا المشهد من الأدلة على الطوام التي جلبها لنا إتخاذ التمثيل منهجا دعويا ٠
وأخيرًا أقول :
على الإنسان ألا يجتهد من تلقاء نفسه، فيأتي بما يخالف الشرع، من الطوام كما قال تعالى :" وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صنعا "
فكان من المفترض عدم إخراج هذا المشهد الذي شره أعظم من نفعه .
والله أسأل الهداية للجميع، وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه .
قاله وكتبه الدكتور :
صالح بن مقبل بن عبدالله العصيمي التميمي، عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض .
رابط الفيلم المقصود بالمقال: https://www.youtube.com/watch?v=0ZwFHHE_svY