|

19 جمادى الأول 1446 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

بسم الله الرحمن الرحيم 

- جُبِلَتِ النَّاسُ فِي القَدِيمِ وَالحَدِيثِ عَلَى مَحَبَّةِ اسْتِشْرَافِ المُسْتَقْبَلِ , وَمَعْرِفَةِ مَا تُخَبِّئُ الأَيَّامُ , وَمَاذَا سَتُثْمِرُ عَنْهُ الْأَعْمَالُ , مِنْ نَجَاحٍ أَوْ فَشَلٍ وَلِذَا :

لَجَأَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ إِلَى الطَّيْرِ, لِتَكْشِفَ لَهُمْ بِزَعْمِهِمْ الْجَاهِلِ ,عَمَّا سَتَؤُولُ إِلَيْهِ أَعْمَالُهُمْ, وَمَا تُخَبِّئهُ الأَيَّامُ لَهُمْ, مِنْ خَيْرٍ أَوْ شَرٍ , عِنْدَ الزَّوَاجِ أَوْ السَّفَرِ أَوِ الْحَرْبِ. وَجَاءَ الإِسْلَامُ بدُعَاءِ الاسْتِخَارَةِ البَدِيلِ الصَّحِيحِ , السَّلِيمِ , الَّذِي فِيهِ الثِّقَةُ وَالْيَقِينُ بِرَبِّ العَالَمِينَ, وَ التَّوَكُلُ عَلَى اللهِ العَلِيمِ الخَبِيرِ, والَّذِي يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَحْرِصَ عَلَيْهِ , حَيْثُ كَانَ النَّبِيُ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُهُ لِأَصْحَابِهِ , كَمَا يُعَلِّمُهُمْ السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ. قَالَ جَابِرُ بنُ عَبْدِ اللهِ , رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا كَانَ النَّبِيُ -صلى الله عليه وسلم- يُعَلِّمُنَا الاسْتِخَارَةَ فِي الأُمُورِ كُلِّهَا , كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ القُرْآنِ , يَقُولُ : (( إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ ,فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ , ثُمَّ لِيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ , بِعِلْمِكَ ,وَ أَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ , وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ , فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ , وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ , وَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ , اللهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ – ثُمَّ يُسَمِّي حَاجَتَهُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي , فِي دِينِي وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي , أَوْ قَالَ عاَجِلِ أَمْرِي, وَ آَجِلِهِ , فَاقْدُرْهُ لِي وَيَسِّرْهُ لِي , ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ , وَ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الأَمْرَ شَرٌ لِي , فِي دِينِي وَمَعَاشِي, وَعَاقِبَةِ أَمْرِي , أَوْ قَالَ : فِي عَاجِلِ أَمْرِي, وَ آجَلِهِ فَاصْرِفْهُ عَنِّي وَاصْرِفْنِي عَنْهُ , وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ , ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ, قَالَ : وَيُسَمِّي حَاجَتَه. هُنَاكَ أُمُورٌ مُتَعَلِّقَةٌ بِالاسْتِخَارَةِ مِنْهَا :

أَوَّلاً :  يَنْبَغِي لِلْمُسْلِمِ أَنْ يَدْعُوَ دُعَاءَ الاسْتِخَارَةِ بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ, فَلَهُ أَنْ يَقُولَ الدُّعَاءَ بَعْدَ السُّنَنِ الرَّوَاتِبِ , أَوْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ , أَوْ سُنَّةِ الوُضُوءِ, أَوْ رَكْعَتَي الضُّحَى , أَوْ رَكْعَتَي الطَّوَافِ , أَوْ غَيْرِهَا مِنَ السُّنَنِ الْمُقَيَّدَةِ أَوْ الْمُطْلَّقَةِ , لَكِنْ بِشَرْطِ أَنْ يَنْوِيَ الاِسْتِخَارَةَ قَبْلَ الصَّلَاةِ .

ثَانِياً : لَا يَسْتَخِيرُ المُسْلِمُ عَلَى أَدَاءِ الوَاجِبَاتِ , فَلَا يَسْتَخِيرُ مَثَلاً هَلْ يَصُومُ أَوْ لَا , كَذَلِكَ لَا يَسْتَخِيرُ عَلَى فِعْلِ المُحَرَّمَاتِ كَأَنْ يَسْتَخِيرَ هَلْ يَشْرَبُ الخَمْرَ أَوْ لَا , وَلَا عَلىَ فِعْلِ المَكْرُوهَاتِ , وَ إِنَّمَا يَسْتَخِيرُ فِي الأُمُورِالمباحة ؛ كَالزَّوَاجِ مِنْ فُلَانَةٍ , أَوْ اسْتِخَارَةِ المَرْأَةِ بالزَّوَاجِ مِنْ فُلَانٍ , وَكَذَلِكَ يَسْتَخِيرُ فِي الأُمُورِ المُبَاحَةِ كَالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ, فَيَسْتَخِيرُ هَلْ يَشْتَرِي هَذَا العَقَّارَ , أَوْ يَبِيعُهُ وَغَيْرُهَا مِنَ البُيُوعِ .

ثَالِثاً : الْأَفْضَلُ أَنْ يَقُولَ المُسْلِمُ الدُّعَاءَ, بَعْدَ الصَّلَاةِ , وَلَهُ أَنْ يَقُولَهُ فِي السُّجُودِ, أَوْ قَبْلَ السَّلَامِ , لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ , وَلَكِنْ بَعْدَ الصَّلَاةِ هُوَ الْأَرْجَحُ خُرُوجاً عَنْ دَائِرَةِ الخِلَافِ.

رَابِعاً : لِلْمُسْلِمِ أَنْ يُكَرِّرَ دُعَاءَ الإِسْتِخَارَةِ ؛ لِعَدَمِ وُرُودِ مَا يَمْنَعُ ذَلِكَ حَتَّى يَبُتَّ فِي الْأَمْرِ بِالإِقْدَامِ أَوْ الإِعْرَاضِ .فَهُوَ دُعَاءٌ , يُشْرُعُ  لِلْعَبْدِ فِيهِ أَنْ يُلِحَّ وَيُكَرِّرَ , قَالَ سَمَاحَةُ الشَّيْخِ ابْنُ بَازٍ –رَحِمَهُ اللهُ - تُشْرَعُ مُكَرَّرَةً حَتَّى يَطْمَئِنَّ قَلْبُهُ , وَيَنْشَرِحَ صَدْرُهُ لِمَا يُرِيدُ , وَيَسْتَشِيرُ إِخْوَانَهُ الثِّقَاتِ الْمَعْرُوفِينَ الَّذِينَ يَعْتَقِدُ فِيهُمْ الْخَيْرَ , يَسْتَشِيرُهُمْ بَعْدَ الصَّلَاةِ , فَإِنْ انْشَرَحَ صَدْرُهُ , وَ إِلَّا أَعَادَ الصَّلَاةَ وَأَعَادَ الاسْتِشَارَةَ وَهَكَذَا مَرَّتَيْنِ وَ ثَلَاثٍ وَأَرْبَعٍ , وَأَكْثَرَ حَتَّى يَحْصُلَ لَهُ الطَّمَأْنِينَةُ وَالانْشِرَاحُ فِي الزَّوَاجِ أَوْ فِي شِرَاءِ بَيْتٍ , أَوْ فِي سَفَرٍ إِلَى بَلَدٍ أَوْ فِي إِقَامَةِ شَرِكَةٍ , أَوْ مَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنَ الأُمُورِ الَّتِي تَشْتَبِهُ عَلَيْهِ. انْتَهَى كَلَامُهُ , مَعَ التَّأْكِيدِ عَلَى أَنَّ انْشِرَاحَ الصَّدْرِ لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ عَامَةِ أَهْلِ العِلْمِ.

خَامِساً : لَيْسَ لِرَكْعَتَيْ الْاِسْتِخَارَةِ سُورَةٌ مُعَيَّنَةٌ يَقْرَأُ بِهَا, وَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنِ اسْتِحْبَابِ سُورَتَيْ الكَافِرُونَ و الإِخْلَاصِ , وَبَعْضُهُمْ آَيَةَ القَصَصِ قال تعالى (( وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ  ))وَ آَيَةَ الأْحَزَابِ ((وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ)) لَيْسَ لَهُ دَلِيلٌ , لِأَنَّ الأَصْلَ فِي العِبَادَاتِ الْمَنْعُ , فَعَلَى المُسْلِمِ أَلَّا يَعْتَقِدَ أَنَّ لِهَذِهِ الْآيَاتِ خَاصِّيَةٌ فِي صَلَاةِ الاسْتِخَارَةِ .

سَادِساً: إِذَا صَلَّى الْمُسْلِمُ رَكْعَتَيْ الاسْتِخَارَةِ لِأَمْرٍ مَا , فَلْيَفْعَلْ بَعْدَهَا مَا بَدَا لَهُ , , فَإِنَّ فِيهِ الْخَيْرَ . لِأَنَّهُ فَعَلَ الأَسْبَابَ وَلَوْلَمْ يَحْصَلْ لَهُ مَا اسْتَخَارَ مِنْ أَجْلِهِ , فَلْيَعْلَمْ أَنَ اللهَ قَدْ اخْتَارَ لَهُ عَدَمَ حُصُولِهِ عَلَى مَايِرِيدُ وَعَدَمَ اتْمَامِهِ , فَلَا يَتَأَلَّمْ لِذَلِكَ لِأَنَّهُ اسْتَخَارَ العَلِيمَ الخبيرَ. 

سَابِعاً : إِذَا أَقْدَمَ المُسْلِمُ عَلَى الأَمْرِ بَعْدَ الاسْتِخَارَةِ , ثُمَّ لَمْ يُوَفَّقْ بِذَلِكَ كَمَنْ اسْتَخَارَ فِي زَوَاجٍ ثُمَّ تَزَوَّجَ فَلَمْ يُوَفَّقْ  , أَوْ فِي تِجَارَةٍ فَلَمْ يَرْبَحْ ,فَعَلَيْهِ الرِّضَا بِقَضَاءِ اللهِ وَعَدَمِ السَّخَطِ ؛ لِأَنَّهُ لَا يَعْلَمُ أَيْنَ الخَيْرَ فِإِنَّهُ اسْتَخَارَ العَلِيمَ الحَكِيمَ وَلْيَرْضَى بِحُكْمِهِ وَقَضَائِهِ .

ثامناً : إِذَا أَرَادَتْ مَنْ بِهَا عُذْرٌ كَالْحَائِضِ وَ النُّفَسَاءِ الاسْتِخَارَةَ لِأَمْرٍ عَاجِلٍ , فَيُشْرَعُ لَهَا ذَلِكَ مِنْ غَيْرِ صَلَاةٍ , فَتَقْرَأُ الدُّعَاءَ المَأْثُورَ وَيَكْفِيهَا ذَلِكَ كَمَا نَصَّ عَلَى ذِلِكَ بَعْضُ أَهْلِ العِلْمِ , وَلَيْسَ هَذَا خَاصاً بِالْحَائِضِ فَقَطْ ؛ بَلْ لِكُلِّ مُسْلِمٍ أَنْ يَسْتَخِيرَ مِنْ غَيْرِ رَكْعَتَيْنِ, وَ إِنَّمَا يَكْتَفِي بِالدُّعَاءِ المَذْكُورِ لِوُرُودِ أَحَادِيثَ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرُ الصَّلَاةِ , مِنْهَا حَدِيثُ أَبِيِ سَعِيدٍ –رَضِيَ اللهُ عَنْهُ – قَالَ :سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : (( إِذَا أَرَادَ أَحَدُكُمْ أَمْراً فَلْيَقُلْ : اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ ............)) وَلَمْ يَذْكُرْ هُنَا صَلَاةً . كَمَنْ بَدَا لَهُ الأَمْرُ وَالوَقْتُ يَضِيقُ عَنْ الاسْتِخَارَةِ , أَوْ فِي أَوْقَاتِ النَّهْيِ عَنِ الصَّلَاةِ أَوْ كَانَ فِي عُجَالَةٍ مِنْ أَمْرِه. أَنْ شَأْنَ الاسْتِخَارَةِ عَظِيمٌ , فَرَبُّوا عَلَيْهَا أَوْلَادَكُمْ , وَأَنْفُسَكُمْ , وَأَهْلِيكُمْ , فَهِيَ مِنْ عَوَامِلِ الإِيمَانِ وَالثِّقَةِ بِالرَّحْمَنِ , اقْتِدَاءً  بِخَيْرِ الأَنَامِ, صلى الله عليه وسلم فَإِنَّ فِي الاسْتِخَارَةِ مِنْ مَعَانِي التَّوْحِيِدِ الشَّيْءَ الْكَثِيرَ. اللَّهُمْ اجْعَلْنَا مِمَّنْ خَافَكَ وَاتَّقَاكَ

قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ

عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية

والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي

تويتر، وفيس بوك DrsalehAlosaimi@

الرياض - ص.ب: 120969 - الرمز: 11689

فاكس وهاتف: 012414080

البريد الإلكتروني: s555549291@gmail.com