اعْلَمُوا أَنَّ الهِدَايَةَ أَعْظَمُ نِعْمَةٍ أَنْعَمَ اللهُ بِهَا عَلَى الإِنْسَانِ , فَهِيَ أَعْظَمُ مِنْ نِعْمَةِ المَالِ , وَالمُلْكِ , وَالجَّاهِ , وَالحَيَاةِ , نِعْمَةٌ تُعَدُّ هِبَةً مِنَ اللهِ , فَالهِدَايَةُ بِإِجْمَاعِ أَهْلِ السُّنَّةِ وَالجَمَاعَةِ , مِنَ اللهِ ؛قال تعالى ((إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))لَا يَمْتَلِكُهَا نَبِيُّ مُرْسَلٌ , وَلَا مَلِكٌ مُقَرَبٌ , عَجَزَ خِيرَةَ خَلْقِ اللهِ , مِنْ أَنْبِيَائِهِ وَرُسُلِهِ , أَنْ يُوصِلُوهَا إِلَى بَعْضِ أَبْنَائِهِمِ , وَ أَزْوَاجِهِمْ , وَ آَبَائِهِمْ , وَأَعْمَامِهِمْ , فَوُفِّقْتَ إِلَيْهَا أَنْتَ أَيُّهَا العَبْدُ المُسْلِمُ , بِتَوْفِيقٍ مِنَ اللهِ , وَنِلْتَهَا بِرَحْمَةٍ مِنَ اللهِ , فَحَافِظْ عَلَيْهَا بِالدُّعَاءِ بِالثَّبَاتِ .
1 - لَمْ يَسْتَطِعْ نُوحٌ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ و السَّلَامُ , أَنْ ي
يَهْدِي , ثَمَرَةَ فُؤَادِهِ , إِلَى الإِيمَانِ , حَتَّى فِي لَحَظَاتِ , الغَرَقِ وَالهَلَاكِ, لَمْ يَسْتَجِبْ الإِبْنُ, قَال تَعَالَى ((وَهِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبَالِ وَنَادَى نُوحٌ ابْنَهُ وَكَانَ فِي مَعْزِلٍ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ (42)قَالَ سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ (43)وَقِيلَ يَا أَرْضُ ابْلَعِي مَاءَكِ وَيَا سَمَاءُ أَقْلِعِي وَغِيضَ الْمَاءُ وَقُضِيَ الأَمْرُ وَاسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَقِيلَ بُعْدًا لِلْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (44) ))
لَقَد تَأَلَّمَ هَذَا النَّبِيُّ الصَّالِحُ ,عَلَى مَا آَل إِلَيْهِ ابْنُهُ, دَاعِياً له, كَمَا قَالَ تَعَالَى : وَنَادَى نُوحٌ رَبَّهُ فَقَالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحَاكِمِين))
فَجَاءَ الأَمْرُ الإِلَهِي , إِلَى نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ , بِالإِعْرَاضِ عَنِ الدُّعَاءِ , لِمَنْ كَفَرَ بِاللهِ ,قال تعالى : (( قَالَ يَا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صَالِحٍ فَلا تَسْأَلْنِ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجَاهِلِينَ(( (46) فَاسْتَجَابَ نُوحٌ لِأَمْرِ اللهِ وَاسْتَغْفَرَهُ , فَغَفَرَ اللهُ لَهُ,قال تعالى : ( )قَالَ رَبِّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ أَنْ أَسْأَلَكَ مَا لَيْسَ لِي بِهِ عِلْمٌ وَإِلا تَغْفِرْ لِي وَتَرْحَمْنِي أَكُنْ مِنَ الْخَاسِرِينَ (47)قِيلَ يَا نُوحُ اهْبِطْ بِسَلامٍ مِنَّا وَبَرَكَاتٍ عَلَيْكَ وَعَلَى أُمَمٍ مِمَّنْ مَعَكَ وَأُمَمٌ سَنُمَتِّعُهُمْ ثُمَّ يَمَسُّهُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ (48)))
2 - ولَمْ يَسْتَطِعْ نُوحٌ , عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ , وَهُوَ أَوْلُ رُسُلِ رَبِّي العَالَمِينَ , أَنْ يَجْلِبَ الهِدَايَةَ لِزَوْجِهِ ,(( ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا لِّلَّذِينَ كَفَرُوا اِمْرَأَةَ نُوحٍ وَاِمْرَأَةَ لُوطٍ كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ))فأَصْبَحَتْ مَثَلاً لِأَهْلِ الكُفْرِ , مَعَ زَوْجَةِ لُوطٌ , عَلَيْهِ السَّلَامُ , الَّذِي لَمْ يَسْتَطِعْ, أَنْ يُصْلِحَ زَوْجَهُ , لَقَدْ نَجَا لُوطٌ وَأَهْلَهُ , وَ الصُّلَحَاءُ مِنْ قَوْمِهِ , وَهَلَكَتْ زَوْجُهُ مَعَ القَوْمِ الكَافِرِينَ قَالَ قَالُوا يَا لُوطُ إِنَّا رُسُلُ رَبِّكَ لَنْ يَصِلُوآ إِلَيْكَ فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ بِقِطْعٍ مِّنَ اللَيْلِ وَلاَ يَلْتَفِتْ
مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلاَّ امْرَأَتَكَ إِنَّهُ مُصِيْبُها مَآ أَصَابَهُمْ إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَلَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيْبٍ *فَلَمَّا جَاءَ أَمْرُنَا جَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا وَأَمْطَرْنَا عَلَيْهَا حِجَارَةً مِّن سِجِّيلٍ مَّنضُودٍ* مُّسَوَّمَةً عِندَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ ))
3 – و لَمْ يَسْتَطِعْ خَلِيلُ الرَّحْمَنِ , إِبْرَاهِيمُ , عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ , أَنْ يَهْدِيَ وَالِدَهُ , ولَقَدْ ذَكَرَ اللهُ فِي كِتَابِهِ , ذَلِكَ النِّدَاءَ العَظِيَم , الَّذِي وَجَّهَهُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى وَالِدِهِ, بِأَرَقِّ عِبَارَةٍ , وَأَلْطَفِ دَعْوَةٍ , بَلْ وَ أَجْمَلِ نِدَاءٍ , يُوَجِّهُهُ ابْنٌ إِلَى أَبِيهِ , فَلَمْ يُحَاوَرَهُ إِلَّا بِقَوْلِهِ : يَا أَبَتِي ,((وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَّبِيًّا * إِذْ قَالَ لِأَبِيهِ يَا أَبَتِ لِمَ تَعْبُدُ مَا لا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ وَلا يُغْنِي عَنكَ شَيْئًا * يَا أَبَتِ إِنِّي قَدْ جَاءَنِي مِنَ الْعِلْمِ مَا لَمْ يَأْتِكَ فَاتَّبِعْنِي أَهْدِكَ صِرَاطًا سَوِيًّا * يَا أَبَتِ لا تَعْبُدِ الشَّيْطَانَ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلرَّحْمَنِ عَصِيًّا * يَا أَبَتِ إِنِّي أَخَافُ أَن يَمَسَّكَ عَذَابٌ مِّنَ الرَّحْمَن فَتَكُونَ لِلشَّيْطَانِ وَلِيًّا ))وَمَعَ هَذِهِ الرِّقَّةِ فِي العِبَادَةِ , لَمْ يَسْتَجِبْ وَالِدُهُ , كَمَا ((قَالَ أَرَاغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يَا إِبْرَاهِيمُ لَئِن لَّمْ تَنتَهِ لأَرْجُمَنَّكَ وَاهْجُرْنِي مَلِياًّ))
4- لَمْ يَسْتَطِعْ المُصْطَفَى , المُخْتَارُ , , أَنْ يَهْدِيَ عَمَّهُ لِلْإِسْلَامِ , مَعَ عِلْمِ عَمِّهِ بِصِدْقِ دَعْوَةِ ابْنِ أَخِيهِ , مُحَمَّدٍ , , حَيْثُ قَالَ أَبُو طَالِبْ مَادِحًا دِينَ الإِسْلَامِ , وَخَيْرَ رُسُلِ الأَنَامِ
وَدَعَوْتَنِي،وَعَرَفْتُ أَنَّكَ نَاصِحِي**وَلَقَدْ صَدَقْتَ،وَكُنْتَ ثَمَّ أَمِينَا
وَعَرَضْتَ دِيناً قَدْ عَرَفْتُ بِأَنَّهُ*** مِنْ خَيْرِ أَدْيَانِ البَرِيَّةِ دِينًا
لَوْلَا المَلَامَةُ أَوْ حَذَارِ مَسَبَّةٍ *** لَوْجَدَتَّنِي سَمِحًا بِذَاكَ مُبِينًا
لَقَدْ بَذَلَ النَّبِيُ , , مَعَ عَمِّهِ مَا بَذَلَ مِنَ الجُهُوِدِ , حَتَّى فِي سكرات موت عمه , يَحْضُرُ النَّبِيُ, , إِلَى بَيْتِ عَمِّهِ , لَعَلَّ اللهَ أَنْ يَهْدِيَهُ , وَتَحْضُرُ عِنْدَ أَبِي طَالِبْ , صَنَادِيدُ قُرَيْشٍ , وَ أَئِمَّةُ الكُفْرِ , فَالنَّبِيُ ,يَقُولُ يَاعَمُ , قُلْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ , كَلِمَةٌ أُحَاجُ لَكَ بِهَا عِنْدَ اللهِ , يَوْمَ القِيَامَةِ , وأَئِمَّةُ الكُفْرِ , َيَقُولُونَ لِأَبِي طَالِبٍ , أَتَرْغَبُ عَنْ دِينِ عَبْدِ المُطَّلِبِ ؟ فَكَانَتْ نِهَايَتُهُ , أَنَّهُ قَالَ , بَلْ عَلَى دِينِ عَبْدِ المُطَّلِبِ , فَمَاتَ عَلَى الشِّرْكِ , فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى ((إِنّكَ لاَ تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَـَكِنّ اللّهَ يَهْدِي مَن يَشَآءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ))
5 - وَحَدَّثَنَا القُرْآنُ عِنْ ذَلِكَ العَتِي العَنِيدِ , الَّذِي جَادَلَ وَالِدَيْهِ , وَقَالَ لَهُمَا كَمَا((وَالَّذِي قَالَ لِوَالِدَيْهِ أُفٍّ لَّكُمَا أَتَعِدَانِنِي أَنْ أُخْرَجَ وَقَدْ خَلَتْ الْقُرُونُ مِن قَبْلِي وَهُمَا يَسْتَغِيثَانِ اللَّهَ وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَيَقُولُ مَا هَذَا إِلَّا أَسَاطِيرُ الْأَوَّلِينَ)) فاشكروا المنعم على نعمة الاسلام
واعلموا إِنَّ هِدَايَةَ التَّوْفِيقِ لِلْإِسْلَامِ وَالإِيمَانِ , مِنَ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ , وَهِدَايَةُ الدَّلَالَةِ وَالإِرْشَادِ , مِنَ الأَنْبِيَاءِ , وَالرُّسُلِ , وَالدُّعَاةِ , إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ , فَالعَبْدُ لَهُ الخَيَارُ , وَحِسَابِهِ عَلَى اللهِ , فَإِمَّا تَقِي إِلَى الجَنَّةِ , أَوْ شَقِيٌ إِلَى النَّارِ , تَعَالَى : ((فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا ))وَ قَالَ تَعَاَلى)) فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ ))و آخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين
قاله وكتبه:أبوعبد الإله الدكتور/صَالحُ بْنُ مُقبِلٍ العُصَيْمِيَّ التَّمِيمِيِّ
عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية
والمشرف العام على موقع الشيخ صالح بن مقبل العصيمي التميمي
تويتر، وفيس بوك DrsalehAlosaimi@
الرياض - ص.ب: 120969 - الرمز: 11689
فاكس وهاتف: 012414080
البريد الإلكتروني: s555549291@gmail.com