|

19 رمضان 1445 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الـخـطبة الأولى

إن الحمد لله، نحمده، ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهد الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله - صلى الله عليه وعلى آله وصحبه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ... فاتقوا الله- عباد الله- حق التقوى؛ واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى. واعلموا بأن خير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وأن شر الأمور محدثاتها ، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار .

عباد الله، مواسم خير تتبعها مواسم، وها نحن على مشارف موسم عظيم، وهو موسم الحج؛ والعشر الأوائل من ذي الحجة على الأبواب، والعمل فيها عظيم؛ قال صلى الله عليه وسلم: «ما العمل في أيام أفضل منها في هذه؟» قالوا: ولا الجهاد؟ قال: «ولا الجهاد، إلا رجل خرج يخاطر بنفسه وماله، فلم يرجع بشيء» رواه البخاري. فانظر – يا رعاك الله – مع عظم الجهاد عند الله؛ إلا أن عمل العامل في عشر ذي الحجة أفضل من جهاد مجاهد في بقية شهور العام ، بل والعمل في عشر ذي الحجة أفضل من أنواع متعددة من الجهاد،إلا الجهاد الذي استثناه النبي – صلى الله عليه وسلم - بقوله : " من عقر جواده وأهريق دمه " ،وإليكم نماذج للعمل الصالح الذي يمكن أن يؤديه المسلم في الأيام العشر :

أولا : الحج : قال تعالى : (وأذن في الناس بالحج يأتوك رجالا وعلى كل ضامر يأتين من كل فج عميق * ليشهدوا منافع لهم ويذكروا اسم الله في أيام معلومات على ما رزقهم من بهيمة الأنعام فكلوا منها وأطعموا البائس الفقير ) فالحج أعظم الأعمال التي تؤدى في عشر ذي الحجة ، وهو ركن من أركان الإسلام ، قال – صلى الله عليه وسلم - : " من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه " وقال – صلي الله عليه وسلم - :" أفضل الجهاد حج مبرور " والحديثان في صحيح البخاري .

ثانيا : التكبير :حيث أمر الله سبحانه أن يذكروه في أيام معلومات ، وجماهير أهل العلم على أن هذه الأيام المعلومات هي العشر الأوائل من ذي الحجة ، ولذا كان الصحابة – رضوان الله عليهم- من السابقين إلى الخير ، حيث روى البخاري في صحيحه عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى " واذكروا الله في أيام معلومات" قال : هن أيام العشر، والأيام المعدودات: أيام التشريق " وكان ابن عمر، وأبو هريرة: «يخرجان إلى السوق في أيام العشر يكبران، ويكبر الناس بتكبيرهما». رواه البخاري .

ثالثا : الصيام : ومن الأعمال العظيمة التي تؤدى فيها الصيام وخاصة صيام يوم عرفة لقوله – صلى الله عليه وسلم - صيام يوم عرفة، أحتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله، والسنة التي بعده " رواه مسلم .

وكذلك صيام بقية أيام العشر ؛ لأن الصيام من الأعمال الصالحة وأما استدلال البعض بعدم استحباب صيام العشر لما رواه الإمام مسلم من قول عائشة - رضي الله عنها - : ما رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم- صائما العشر قط " فلا يفهم منه عدم صيام العشر على إطلاقه لسببين: الأول : حث الرسول على صيام يوم عرفة لغير الحاج ، وهو من العشر قطعا ، فدل على عدم أخذ حديث عائشة على إطلاقه .

الثاني :ما أورده أبو داوود عن بعض أزواج النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه - صلى الله عليه وسلم - كان لا يدع صيام تسع ذي الحجة " فيفهم من حديث عائشة - جمعا بينهما- أنه ما صام جميع أيـام العشر ، وليس المقصود أنه ما صام من العشر شيئا، ومعلوم أن الصيام من أحب الأعمال إلى الله فهو داخل في الأعمال الصالحة التي يحبها الله في عشر ذي الحجة .

رابعا : نحر الأضاحي : ومن الأعمال الصالحة في العشر نحر الأضاحي ،حيث ضحى رسول الله - صلى الله عليه وسلم- بكبشين أملحين ،ففي صحيح البخاري عن أنس، رضي الله عنه، قال: «ونحر النبي صلى الله عليه وسلم بيده سبع بدن قياما، وضحى بالمدينة كبشين أملحين أقرنين» والعجيب أن فئة من الناس قد أماتوا هذه السنة عند أولادهم ، فظنوا أن المقصود بالأضحية هو اللحم فقط ؛ فيوكلون من يذبحها عنهم في الخارج ؛ ومع صحة هذا الفعل؛ إلا أنه خلاف السنة ، فمن السنة أن تطعم من لحم أضحيتك ، كما أن من السنة أن تنحرها بيدك ، وفي هذا الفعل حرمان للأبناء من الاقتداء بالآباء؛ فإن عيد النحر يمر عليهم ولا يشعرون بأنه عيد ، فمن كانت عنده أكثر من أضحية؛ فيمكن أن يذبح هنا، ويوكل هناك إذا أصر.ويجب على من أراد الأضحية قبل دخول هذه الأيام ألا يأخذ من شعره ولا من أظفاره شيئا حتى يضحي ؛ لما ثبت في الحديث الصحيح الذي أخرجه الإمام مسلم في صحيحه؛ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (( من كان له ذبح يذبحه؛ فإذا أهل هلال ذي الحجة؛ فلا يأخذن من شعره، ولا أظفاره شيئا؛ حتى يضحي )) .

خامسا : الصدقة : فإن الصدقة من العمل الصالح، الذي حث النبي عليه في العشر، وقد شرعت الصدقة لغرضين جليلين: أحدهما: سد خلة المسلمين وحاجتهم.

والثاني: معونة الإسلام وتأييده ، وقد جاءت نصوص كثيرة، وآثار عديدة؛ تبين فضائل هذه العبادة الجليلة وآثارها، وتوجد الدوافع لدى المسلم للمبادرة بفعلها ، وما أكثر الفقراء والمساكين،خاصة وقد تعارف الناس على حصر صدقاتهم في رمضان ،وهذا خطأ ، ألا فبادروا بالصدقة في هذه العشر .

وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ..

 

الخطبة الثانية

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على عظم نعمه وامتنانه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وحده لا شريك له، تعظيما لشأنه، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وخليله، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه ،ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا . أما بعد ...... فاتقوا الله - عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واعلموا أن أجسادكم على النار لا تقوى .

عباد الله، ومن الأعمال التي ينبغي للمسلم أن يحرص عليها في العشر الأواخر: الدعاء، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - "الدعاء هو العبادة "رواه أبو داوود، والترمذي، وابن ماجة بسند صحيح، وقال تعالى:(قل ما يعبأ بكم ربي لولا دعاؤكم)؛ فعلي المسلم أن يجتهد في الدعاء في العشر من ذي الحجة،وخاصة في يوم عرفة ، يقول الرسول –صلى الله عليه وسلم- "خير الدعاء دعاء يوم عرفة ، وخير ما قلت أنا والنبيون من قبلي: لا اله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير" ، وأذكر نفسي وإياكم بالدعاء لإخواننا المستضعفين في كل مكان، في هذه العشر أن ينجيهم الله ، وأن يجعل لهم مما هم فيه مخرجا ، وأن ينصرهم ويثبت أقدامهم . والأعمال الصالحة كثيرة ومتعددة ؛ فعلى المسلم أن يكثر من العمل الصالح عموما، مثل : قراءة القرآن ، وحضور مجالس العلم ، وصلة الأرحام، والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والمحافظة على السنن ، والإكثار من النوافل ، فعلى المسلم أن يصيب من كل عمل صالح بسهم ، ولا يفوتن على نفسه شيئا من الخير عباد الله ، ألا إن لربكم في أيام دهركم لنفحات ألا فتعرضوا لها ، فليشمر كل منا عن ساعد الجد ،وليعد العدة لاستقبال الأيام العشر استقبالا يليق بمكانتها عند الله، حتى أنه أقسم بها في كتابه العزيز؛ فقال سبحانه:( والفجر * وليال عشر) ، اللهم لا تحرمنا بذنوبنا فضل الأيام العشر ، اللهم وفقنا فيها للعمل الصالح .

 

اللهم ارزقنا حبك، وحب من يـحبك، وحب عمل يقرب إلى وجهك. اللهم ردنا إليك ردا جميلا، ولا تـجعل فينا ولا بيننا شقيا ولا مـحروما، اللهم اجعلنا هداة مهديين غيـر ضالين ولا مضلين، اللهم احم بلادنا وسائر بلاد الإسلام والـمسلمين من الفتن والمحن، ما ظهر منها وما بطن، اللهم احفظ لبلادنا أمنها وإيمانها واستقرارها، اللهم وفق ولي أمرنا لما تحب وترضى، وخذ بناصيته للبر والتقوى، واجعله هاديا مـهديــا، وأصلح به البلاد والعباد، اللهم ارفع راية السنة، واقمع راية البدعة، اللهم احقن دماء الـمسلمين في كل مكان، وول عليهم خيارهم واكفهم شر شرارهم، اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي إليها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير، واجعل الموت راحة لنا من كل شر. اللهم إنا نسألك من الخير كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، ونعوذ بك من الشر كله عاجله وآجله، ما علمنا منه وما لم نعلم، اللهم إنا نسألك ما سألك منه عبادك الصالحون، ونستعيذ بك مما استعاذ منه عبادك الصالحون، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار، ربنا إننا آمنا فاغفر لنا ذنوبنا وكفر عنا سيئاتنا وتوفنا مع الأبرار، ربنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك ولا تخزنا يوم القيامة إنك لا تخلف الميعاد. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين. وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وآله وأصحابه، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما كثيرا.