|

11 شوّال 1445 هـ

مسابقة السيرة النبوية | استمع في دقيقة وربع إلى: " الشرك الأصغر" للدكتور/ صالح بن مقبل العصيمي التميمي | يمكنكم الأن إرسال أسئلتكم وسيجيب عليها فضيلة الشيخ الدكتور صالح العصيمي

 

الْخُطْبَةُ الْأُولَى

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ مِنْ أَعْظَمِ مَا يَتَعَلَّمُهُ الْإِنْسَانُ أَنْ يَتَعَلَّمَ أَسْمَاءَ اللهِ تَعَالَى، وَصِفَاتِه؛ حَتَّى يَعْبُدَهُ عَلَى يَقِينٍ، وَمِنْ أَسْمَاءِ اللهِ الْحُسْنَى الْخَبِيرُ، وَلِعِظَمِ هَذَا الاسْمِ وَرَدَ فِي الْقُرْآنِ خَمْسَةً وَأَرْبَعِينَ مَرَّةً، قَالَ اللهُ تَعَالَى: {وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ}، وَقَالَ تَعَالَى: {وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ}، وَقَالَ تَعَالَى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ: {قَالَ نَبَّأَنِيَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ}، وَقَالَ تَعَالَى: {إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ} وَلَا يُخْبِرُ بِهَذِهِ الْأُمُورِ كُلِّهَا إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ؛ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ، فَاللهُ هُوَ الْعَالِمُ بِدَقَائِقِ الْأُمُورِ الْمَعْقُولَةِ، وَالْمَحْسُوسَةِ؛ والِّذِي يَعْلَمُ أَحْوَالَ عِبَادِهِ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، وَالْإِنْسِ، وَالْجِنِّ، وَالْحَيَوَانَ، وَالطَّيْرِ، وَالْأَشْجَارِ، وَالْجَمَادَاتِ، وَدُونَ ذَلِكَ، وَفَوْقَهُ بعلمٍ، وَخَبَرِهِ -جَلَّا وَعَلَا- وَلِذَا، فَإِنَّ أَسْمَاءَ اللهِ قَدْ يَحْمِلُ بَعْضُهَا بَعْضَ الْمَعَاِني، الَّتِي يَحْمِلُهَا الاسْمُ الآخَرُ؛ وَلَكِنَّ هُنَاكَ فُرُوقًا دَقِيقَةً، فَالْخَبِيرُ يُفِيدُ مَعْنَى الْعَلِيمِ؛ وَلَكِنَّ الْعَلِيمَ لا يُفِيدُ مَعْنَى الْخَبِيرِ، وَلِذَا، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْعَلِيمُ الْخَبِيرُ.

فَاللهُ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى- هُوَ الْخَبِيرُ، الْعَالِمُ بِسَرَائِرِ عِبَادِهِ، وَضَمَائِرِ قُلُوبِهِمْ، خَبِيرٌ بِأُمورِهِمْ، لَا يَخْفَى عليه شَيْءٌ منهم، خَبِيرٌ بِكُلِّ مَا يَعْلَمُونَهُ وَيَعْمَلُونَهُ وَيَكْسِبُونَهُ مِنْ حَسَنٍ وَسَيِّئٍ، وهو الْمُطَّلِعُ عَلَى حَقَائِقِ الْعِبَادِ؛ وهو الَّذِي لَا تَعْزُبُ عَنْهُ الْأَخْبَارُ الْبَاطِنَةُ والنَّوَايَا الْخَفِيَّةُ، وَلَا يَجْرِي فِي الْمُلْكِ وَالْمَلَكُوتِ شَيْءٌ إِلَّا عِنْدَهُ علمه وخَبَرُهُ، وَلَا تَتَحَرَّكُ ذَرَّةٌ، وَلَا تَسْكُنُ، وَلَا يُتَنَفَّسُ نَفَسٌ، وَلَا يَطْمَئِنُّ، إِلَّا وَعِنْدَهُ علمه وخَبَرُهُ، فَهُوَ الِّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِالظَّوَاهِرِ، وَالْبَوَاطِنِ، وَالْأَسْرَارِ، وَالْإِعْلَانِ، وَبِالْوَاجِبَاتِ، وَالْمُسْتَحِيلَاتِ، وَالْمُمْكِنَاتِ، وَبِالْعَالَمَينَ: الْعُلْوِيُّ، وَالسُّفْلِيُّ، وَباِلْأَحْدَاثِ الْمَاضِيَةِ، وَالْحَاضِرَةِ، وَالْمُسْتَقْبَلَةِ، فَلَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَشْيَاءِ، وَهُوَ عَلِيمٌ بِمَا كَانَ، وَمَا يَكُونُ، وَبِمَا لم يَكُنُ لو كان كَيْفَ يَكُونُ، فَلَا يَفُوتُهُ مِنَ الْعِلْمِ شَيْءٌ، وَهَذَا للهِ وَحْدَهُ، لَا يُشَارِكُهُ فِيهِ أَحَدٌ مِنْ خَلْقِهِ، قَالَ تَعَالَى: {الرَّحْمَنُ فَاسْأَلْ بِهِ خَبِيرًا} فاللهَ خَبِيرٌ بِنَفْسِهِ؛ إِذَ لَا أَحَدَ أَعْلَمُ مِنَ اللهِ بِاللهِ، وَقِيلَ: إِنَّ مُحَمَّدًا ﷺ وَجِبْرِيلَ -عَلَيْهِ السَّلَامُ- هُمَا أَعْلَمُ الْخَلْقِ بِاللهِ.

عِبَادَ اللهِ: إِنَّ لِهَذَا الاسْمِ الْعَظِيمِ مَعَانِيَ عَظِيمَةً؛ فَمِنْهَا:

1. أَنَّ الْإِنْسَانَ يَمْتَنِعُ عَنِ الْمَعْصِيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَعْلَمُ أَنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِمَا يَعْمَلُ، قَالَ تَعَالَى: {وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ}.

2. أَنْ يَحْرِصَ الْإِنْسَانُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ، وَلَا يَحْتَاجُ أَنْ يُظْهِرَ نِيَّتَهُ لِلنَّاسِ، وَلَيْسَ بِحَاجَةٍ لِذَلِكَ طَالَمَا أَنَّ اللهَ مُطّلِعٌ عَلَى ذَلِكَ، قَالَ تَعَالَى: {فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرًا}، وَمَنْ أَظْهَرَ نِيَّتَهُ  لِلْنَّاسِ رِيَّاءً وَسُمْعَةً فَقَدْ أَفْسَدَ عَمَلَهُ.

3. أَلَّا يَحْزَنَ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا أَصَابَهُ، فَإِنَّ اللهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ خَبَرًا، وَيَعْلَمُ مَآلَ الْأُمُورِ، وَمَا تَصِيرُ إِلَيْهِ، قال تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} وقال تعالى: {أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ}، فَمَا أَصَابَهُ كَانَ بِعِلْمِ الْخَبِيْرِ العَلِيْم.

4. إن اللهُ خَبِيرٌ بالناس قَاَل تَعَالَى: {أَفَلَا يَعْلَمُ إِذَا بُعْثِرَ مَا فِي الْقُبُورِ * وَحُصِّلَ مَا فِي الصُّدُورِ *إِنَّ رَبَّهُمْ بِهِمْ يَوْمَئِذٍ لَخَبِيرٌ}، 

5. كَمَا يُفِيْدُ اسْمُ الْخَبيْرِ أَنَّ اللهَ أَعْلَمُ بعِبَادِهِ، وَمَنْ يسْتَحِقُ مِنْهُمُ العَفْوَ وَالْغُفْرَانَ، وَمَنْ يَسْتَحِقُّ مِنْهُمُ العقاب والْعَذَابَ، وَمَتَى يَسْتَحِقُّهُ، وَزَمَانِهِ وَمَكَانِهِ، أَوَلَيْس هُوَ الْقَائِلُ: {وَكَفَى بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا}، فَإِذَا كَانَ اللهُ هُوَ الْخَبِيرُ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ؛ كِبَارِهَا، وَطَوَامِّهَا، وَمُوبِقَاتِهَا؛ فَهُوَ الْأَعْلَمُ بِمَا يُجازِي فِيهِ.

6. إِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ، فَهَذَا يَرْدَعُهُ عَنِ الاخْتِرَاعِ، وَالاقْتِرَاحِ عَلَى الْخَالِقِ كَأَن  يَقُوْل: لَوْ كَانَ حُكْمُ كَذَا كَذَا، لَكَانَ أَفْضَل.

7. إِنَّ مَعْرِفَةَ الْعَبْدِ بِأَنَّ اللهَ هُوَ خَبِيرٌ بِمَا فِي الصُّدُورِ يَجْعَلُ الْعَبْدَ يُحْسِنُ مَنَاجَاةَ اللهِ تَعَالَى، وَيَبْتَعِدُ عَنْ رَفْعِ الصَّوْتِ بِالْمُنَادَاةِ. 

8. إِنَّ مَعْرِفَتَنَا بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ بِعِبَادِهِ وَمَصَالِحِهِمْ يَقُودُ الْعَبْدَ إِلَى الرِّضَاءِ بِقَضَاءِ اللهِ، وَقَدَرِهِ، وَأَلَّا يَحْسِدَ مَخْلُوقًا عَلَى خَيْرٍ آتَاهُ اللهُ إِيَّاهُ، وَلَا يَعْتَرِضَ عَلَى رِزْقٍ سَاقَهُ اللهُ لِعبادِهِ، وَلَا يَنْدَمَ عَلَى شَيْءٍ فَاتَهُ، وَلَا يَحْزَنَ عَلَى شَيْءٍ أَصَابَهُ، وَلَا يَخَافَ مِنْ شَيْءٍ قَادِمٍ فِي انْتِظَارِهِ، فَإِنَّ الْخَبِيرَ يُدِيرُ الْأَمْرَ بِعِلْمِهِ، قَالَ تَعَالَى: {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ}.

9. إِنَّ مَعْرِفَةَ الْعَبْدِ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ تَدْفَعُهُ إِلَى الاطْمِئْنَانِ لِلْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ، وَعَدَمِ إِرْهَاقِ النَّفْسِ بِالْبَحْثِ عَنْ عِلَلِهَا، وَأْسْبَابِهَا؛ فَهُوَ يَعْلَمُ هُنَا عِلْمَ الْيَقِينِ أَنَّ مَا فِي أَحْكَامِ اللهِ هِيَ الْحِكْمَةُ وَالْمَصْلَحَةُ، وَلَوْ قَصَرَتِ الْعُقُولُ عَنْ فَهْمِ مَعَانِيها، وَعَنْ إِدْرَاكِ خَفَايَاهَا؛ لِأَنَّهَا نَشَأَتْ عَنْ خِبْرَةٍ وَحِكْمَةٍ، وَلِذَا نَجِدُ أَنَّ اسْمَ الْخَبِيرِ جَاء مَقْرُونًا بِاسْمِ الْحَكِيمِ أَرْبَعَ مَرَّاتٍ فِي الْقُرْآنِ.

10. إِنَّ الْمَعْرِفَةَ بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ يَجْعَلُ الْإِنْسَانَ يَصْبِرُ عَلَى أَقْدَارِ اللهِ الْقَاسِيَةِ، وَعَلَى شَرِّ الْقَضَاءِ، وَمُرِّهِ، وَلِذَا نَجِدْ أَنَّ اسْمَ الْخَبِيرِ اقْتُرِنَ بِاسْمِ اللَّطِيفِ خَمْسَ مَرَّاتٍ فِي الْقُرْآنِ، فَأَقْدَارُ اللهِ وَإِنْ كَانَ فِي ظَاهِرِها مَا يُؤْلِمُ، فَإِنَّ أَلْطَافَ اللهِ بِعِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ تُحِيطُ بِهِمْ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ وفرجه منهم قريب.

11. عِنْدَمَا يَدْعُو الْإِنْسَانُ، وَلَا تَأْتِي الاسْتِجَابَةُ، فَعَلَيْهِ أَنْ يَطْمَئِنَّ، وَيْرَتَاحَ، فَإِنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ بِمَصْلَحَتِهِ، وَيَعْلَمُ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ للاسْتِجَابَةِ، وَإِنَّمَا عَلَيْكَ أَلَّا تَشْكُو إِلَّا إِلَى اللهِ، وَلا تَبُثَّ الْأَحْزَانَ إلا إلى اللهِ، كما قال تعالى حاكياً عن يعقوب - عليه السلام- :{قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللَّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ} فَإِنَّ لله أَلْطَافًا لَا تَعْلَمُهَا، وَحِكَمًا لَا تَسْتَوْعِبُهَا، وَلَا تَعْلَمُ الْوَقْتَ الْمُنَاسِبَ لحلولها، كَمَا يَعْلَمُهُ اللهُ، وَهَذَا يَدْعُو إِلَى الاسْتِقْرَارِ النَّفْسِيِّ، وَالاطْمِئْنَانِ الْقَلْبِيِّ، وَالْيَقِينِ الْجَازِمِ بِقَضَاءِ اللهِ وَقَدَرِهِ.   

12. عِنْدَمَا تَعْلَمُ أَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ، فَإِنَّ هَذَا يَدْعُو الْعَبْدَ أَنْ يَكُونَ مُحْتَرِزًا فِي أَفْعَالِهِ، دَقِيقًا فِي أَقْوَالِهِ، وَاثِقًا فِي جَمِيعِ اخْتِيَارَاتِهِ لَهُ، وَاثِقًا بِأَنَّ مَا قَسَمَهُ اللهُ لَه لَنْ يَفُوتَهُ، فَكُنْ عَلَى ثِقَةٍ بِاللهِ وَبِمَوْعُوْدِهِ، رَزَقنَا اللهُ الثِقَةَ بِهِ وَاليَقِيْن.

وَمِنْ ثِمَارِ مَعْرِفَتِنَا بِأَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِير، أَن نقول الْعَدْلِ حَتَّى مَعَ الْمُخَالِفِينَ؛ بَلْ مَعَ الْكَفَرَةِ وَالْمُعَانِدِينَ، وَمَا ذَلِكَ إلا لِأَنَّ الله هُوَ الْخبِيرُ بمالات الأمور، وكيف أن العدل معهم يأتي بنتائج عظيمة، فَإِذَا عَلِمَ الْعَبْدُ أَنَّ ذَلِكَ العدل الذي أمر به، مع المخالفين كان بأمر الله ورضاه، فَعَلَ ذَلِكَ بِاطْمِئْنَان، وَلَا يَعْتَرِضُ على الْعَدْلِ مَعَ الْمُخَالِفِ، ولو ظَهَرَ لِعَقْلِهِ الْبَسِيطِ وعِلْمِهِ الْقَاصِرِ خِلَافُ ذَلِكَ، فَلَا تُقَدِّمْ عَقْلَكَ وَقَوْلَكَ على حُكْمِ اللَّهِ وأَمْرِهِ، فَهُوَ الْخَبِيْرُ الْعَلِيْم.

 

الْخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ

عِبَادَ اللهِ: اعْلَمُوا أَنَّ اللهَ هُوَ الْخَبِيرُ، فَثِقُوا بِهِ؛ فَهُوَ مَالِكُ الْمَعْرِفَةِ التَّامَّةِ، وَالْمُطْلَقَةِ، الَّتِي لَا يُمْكِنُ أَنْ تَحْدُثَ مَعَهَا أَخْطَاءٌ، وَيَرْتَاحُونَ لَهَا، وَلِذَا، يَتَجَلَّى اسْمُ اللهِ تَعَالَى الْخَبِيرُ فِي كُلِّ مَا يَدُورُ حَوْلَنَا، فَاللهُ تَعَالَى يَضَعُ الْأَشْيَاءَ فِي مَوَاضِعِهَا؛ لِخِبْرَتِهِ بِحَالِهَا، وَيُنزِلُهَا مَنَازِلَهَا اللَّائِقَةَ بِهَا، فَلَا يَضَعُ الشَّيْءَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِهِ، وَفِي غَيْرِ مَكَانِهِ، وَغَيْرِ زَمَانِهِ، وَلِهَذَا فَهُوَ الْخَبِيرُ بِكُلِّ حَالٍ.

فالْإِنْسَانُ الَّذِي لَا يَبْلُغُ الْكَمَالَ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ كُلَّمَا امْتَلَكَ الْخِبْرَةَ بِوَعْيٍ، وَدِرَايَةٍ، وَتَجْرِبَةٍ، مَعَ فَهْمٍ وَإِدْرَاكٍ؛ تَغَلَّبَ عَلَى أَقْرَانِهِ، وَانْتَصَرَ عَلَى خُصُومِهِ؛ بِسَبَبِ اكْتِسَابِهِ الْخِبْرَةَ، مَعَ أَنَّ خِبْرَةَ الْإِنْسَانِ نَالَهَا مِنْ رَحْمَةِ اللهِ بِهِ، وَمِنْ خِلَالِ فتحه  لَهُ، وَتَأْتِي مُتَدَرِّجَةً، وَعَلَى مَرَاحِلَ زَمَنِيَّةٍ مُتَعَدِّدَةٍ، وَهِي خِبْرَةٌ مَهْمَا عَظُمَتْ نَاقِصَةٌ؛ لَأِنَّهَا مُكْتَسَبَةٌ، وَحَادِثَةٌ، وَمَعَ ذَلِكَ يَثِقُ النَّاسُ بِأَقْوَالِ الْخُبْرَاءِ، فعِنْدَمَا يَتَحَدَّثُ الْخُبَرَاء وَيُعْلِنُونَ آَرَاءَهُمْ، وَتَوَقُّعَاتِهِمْ لِلْأُمُورِ، يَثِقُ بِهِمْ غَالِبُ النَّاسِ، لأنَّ النَّاسَ يَرْجِعُونَ لِأَهْلِ الْخِبْرَةِ، وَيُقَدِّرُونَ أَهْلَ الْخِبْرَاتِ ويفضلونهم على غيرهم؛ لأنهم أعلم من غيرهم في تخصصاتهم، وُحُقَّ لَهُمْ ذَلِكَ، فَإِذَا كانُوا يَثِقُونَ بِأَهْلِ الْخِبْرَةِ فِي الْأَرْضِ، أَوَلَيْسَ مِنْ بَابِ أَوْلَى وَأَوْجَبُ وَأكَدُ وَأَحْرَى أَنْ يَثِقُوا فِي الْخَبِيرِ، الْعَزِيزِ، الْحَكِيمِ، الَّذِي خِبْرَتُهُ أَزَلِيَّةٌ كَامِلَةٌ تامة، فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَطْرَحُوا الثِّقَةَ الْكَامِلَةَ التَّامَّةَ، الَّتِي لَا حَدَّ لَهَا، وَلَا حَصْرَ فِي الْخَبِيرِ الْعَلِيمِ، فَلْتَطْمَئِنَّ الْأُنْفُسُ، وَلْتَرْتَاحْ، وَلْتَهْدَأِ الْقُلُوبُ، وَلْتَطْمَئِنَّ لِأَحْكَامِهِ، وَإِرَادَتِهِ الْكَوْنِيَّة، فَطُبْ نَفْسَاً إِذَا نَزَلَ القَضَاء.